لكنه فى فقره وَضَعفه كَانَ يقارعهم بِالْحجَّةِ ويناضلهم بِالدَّلِيلِ ويأخذهم بِالنَّصِيحَةِ ويزعجهم بالزجر وينبههم للعبر ويحوطهم مَعَ ذَلِك بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة كَأَنَّمَا هُوَ سُلْطَان قاهر فى حكمه عَادل فى أمره وَنَهْيه أَو أَب حَكِيم فى تربية أبنائه شَدِيد الْحِرْص على مصالحهم رءوف بهم فى شدته رَحِيم فى سلطته مَا هَذِه الْقُوَّة فى ذَلِك الضعْف مَا هَذَا السُّلْطَان فى مَظَنَّة الْعَجز مَا هَذَا الْعلم فى تِلْكَ الأمية مَا هَذَا الرشاد فى غَمَرَات الْجَاهِلِيَّة إِن هُوَ إِلَّا خطاب الجبروت الْأَعْلَى قَارِعَة الْقُدْرَة العظمة نِدَاء الْعِنَايَة الْعليا ذَلِك خطاب الله الْقَادِر على كل شىء الذى وسع كل شىء رَحْمَة وعلما ذَلِك أَمر الله الصادع يقرع الآذان ويشق الْحجب ويمزق الغلف وَينفذ إِلَى الْقُلُوب على لِسَان من اخْتَارَهُ لينطق بِهِ واختصه بذلك وَهُوَ أَضْعَف قومه ليقيم من هَذَا الِاخْتِصَاص برهانا عَلَيْهِ بَعيدا عَن الظنة بَرِيئًا من التُّهْمَة لإتيانه على غير الْمُعْتَاد بَين خلقه أى برهَان على النُّبُوَّة أعظم من هَذَا أمى قَامَ يَدْعُو الْكَاتِبين إِلَى فهم مَا يَكْتُبُونَ وَمَا يقرءُون بعيد عَن مدارس الْعلم صَاح بالعلماء ليمحصوا مَا كَانُوا يعلمُونَ فى نَاحيَة عَن ينابيع الْعرْفَان جَاءَ يرشد العرفاء ناشىء بَين الواهمين هَب لتقويم عوج الْحُكَمَاء غَرِيب فى أقرب الشعوب إِلَى سذاجة الطبيعة وأبعدها عَن فهم نظام الْخَلِيفَة وَالنَّظَر فى سنَنه البديعة أَخذ يُقرر للْعَالم أجمع أصُول الشَّرِيعَة ويخط للسعادة طرقا لن يهْلك سالكها وَلنْ يخلص تاركها مَا هَذَا الْخطاب المفحم مَا ذَلِك الدَّلِيل الملجم أأقول مَا هَذَا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم لالا أَقُول ذَلِك وَلَكِن أَقُول كَمَا أمره الله أَن يصف نَفسه إِن هُوَ إِلَّا بشر مثلكُمْ يُوحى إِلَيْهِ نبى صدق الْأَنْبِيَاء وَلَكِن لم يَأْتِ فى الْإِقْنَاع برسالته بِمَا يلهى الْأَبْصَار أَو يحير الْحَواس أَو يدهش المشاعر وَلَكِن طَالب كل قُوَّة بِالْعَمَلِ فِيمَا أعدت لَهُ واختص الْعقل بِالْخِطَابِ وحاكم إِلَيْهِ الْخَطَأ وَالصَّوَاب وَجعل فى قُوَّة الْكَلَام وسلطان البلاغة وَصِحَّة الدَّلِيل مبلغ الْحجَّة وَآيَة الْحق الذى لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد
1 / 75