لَا شىء كَانَ عِنْده مِمَّا يكْسب المكانة فى نفوس الْعَامَّة أَو يرقى بِهِ إِلَى مقَام مَا بَين الْخَاصَّة مَا هَذَا الذى رفع نَفسه فَوق النُّفُوس مَا الذى أَعلَى راسه على الرُّءُوس مَا الذى سما بهمته على الهمم حَتَّى انتدب نَفسه لإرشاد الْأُمَم وكفالته لَهُم كشف الغمم بل وإحياء الرمم مَا كَانَ ذَلِك إِلَّا مَا ألْقى الله فى روعه من حَاجَة الْعَالم إِلَى مقوم لما زاغ من عقائدهم ومصلح لما فسد من أَخْلَاقهم وعوائدهم مَا كَانَ ذَلِك إِلَّا وجدانه ريح الْعِنَايَة الإلهية ينصره فى عمله ويمده فى الِانْتِهَاء إِلَى أمله قبل بُلُوغ أَجله مَا هُوَ إِلَّا الوحى الإلهى يسْعَى نوره بَين يَدَيْهِ يضىء لَهُ السَّبِيل ويكفيه مُؤنَة الدَّلِيل مَا هُوَ إِلَّا الْوَعْد السماوى قَامَ لَدَيْهِ مقَام الْقَائِد والجندى أَرَأَيْت كَيفَ نَهَضَ وحيدا فريدا يَدْعُو النَّاس كَافَّة إِلَى التَّوْحِيد والاعتقاد بالعلى الْمجِيد وَالْكل مَا بَين وثنية مُتَفَرِّقَة ودهرية وزندقة نَادَى فى الوثنيين بترك أوثانهم ونبذ معبوداتهم وفى المشبهين المنغمسين فى الْخَلْط بَين اللاهوت الأقدس وَبَين الجسمانيات بالتطهر من تشبيههم وفى الثانوية بافراد إِلَه وَاحِد بِالتَّصَرُّفِ فى الأكوان ورد كل شىء فى الْوُجُود إِلَيْهِ أهاب بالطبيعيين ليمدوا بصائرهم إِلَى مَا وَرَاء حجاب الطبيعة فيتنوروا سر الْوُجُود الذى قَامَت بِهِ صَاح بذوى الزعامة ليهبطوا إِلَى مُضَاف الْعَامَّة فى الاستكانة إِلَى سُلْطَان معبود وَاحِد هُوَ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض والقابض على أَرْوَاحهم فى هياكل أَجْسَادهم تنَاول المنتحلين مِنْهُم لمرتبة التَّوَسُّط بَين الْعباد وَبَين رَبهم الْأَعْلَى فَبين لَهُم بِالدَّلِيلِ وكشف لَهُم بِنور الوحى أَن نِسْبَة أكبرهم إِلَى الله كنسبة أَصْغَر المعتقدين بهم وطالبهم بالنزول عَمَّا انتحلوه لأَنْفُسِهِمْ من المكانات الربانية إِلَى أدنى سلم من الْعُبُودِيَّة والاشتراك مَعَ كل ذى نفس إنسانية فى الِاسْتِعَانَة بِرَبّ وَاحِد يستوى جَمِيع الْخلق فى النِّسْبَة إِلَيْهِ لَا يتفاوتون إِلَّا فِيمَا فضل بِهِ بَعضهم على بعض من علم أَو فَضِيلَة وخز بوعظه عبيد الْعَادَات وأسراء التَّقْلِيد ليعتقوا أَرْوَاحهم مِمَّا استعبدوا لَهُ ويحلوا أغلالهم الَّتِى أخذت بِأَيْدِيهِم عَن الْعَمَل وقطعتهم دون الأمل مَال على قراء الْكتب السماوية والقائمين على مَا أودعته من الشَّرَائِع الإلهية فَبَكَتْ الواقفين عِنْد حروفها بغباوتهم وشدد النكير على المحرفين لَهَا الصارفين لألفاظها إِلَى غير
1 / 73