الْفطْرَة وَيتم لَهُم مَا يُرِيدُونَ من المغلوبين لَهُم وَصرح الدّين بِلِسَان رؤسائه أَنه عَدو الْعقل وعدو كل مَا يثمره النّظر إِلَى أَكَانَ تَفْسِيرا لكتاب مقدس وَكَانَ لَهُم فى المشارب الوثنية ينابيع لَا تنضب ومدد لَا ينفذ هَذِه حَالَة الأقوام كَانَت فى معارفهم وَذَلِكَ كَانَ شَأْنهمْ فى مَعَايشهمْ عبيد أذلاء حيارى فى جَهَالَة عمياء اللَّهُمَّ إِلَّا بعض شوارد من بقايا الْحِكْمَة الْمَاضِيَة والشرائع السَّابِقَة آوت إِلَى بعض الأذهان وَمَعَهَا مقت الْحَاضِر وَنقص الْعلم بالغابر ثارت الشُّبُهَات على اصول العقائد وفروعها بِمَا انْقَلب من الْوَضع وانعكس من الطَّبْع فَكَانَ يرى الدنس فى مَظَنَّة الطَّهَارَة والشره حَيْثُ تنْتَظر القناعة والدعارة حَيْثُ ترجى السَّلامَة وَالسَّلَام مَعَ قُصُور النّظر عَن معرفَة السَّبَب وانصرافه لأوّل وهلة إِلَى أَن مصدر كل ذَلِك هُوَ الدّين فاستولى الِاضْطِرَاب على المدارك وَذهب بِالنَّاسِ مَذْهَب الفوضى فى الْعقل والشريعة مَعًا وَظَهَرت مَذَاهِب الإباحيين والدهريين فى شعوب مُتعَدِّدَة وَكَانَ ذَلِك ويلا عَلَيْهَا فَوق مَا رزئت بِهِ من سَائِر الخطوب
وَكَانَت الْأمة الْعَرَبيَّة قبائل متخالفة فى النزعات خاضعة للشهوات فَخر كل قَبيلَة فى قتال أُخْتهَا وَسَفك دِمَاء أبطالها وسبى نسائها وسلب أموالها تسوقها المطامع إِلَى المعامع ويزين لَهَا السَّيِّئَات فَسَاد الاعتقادات وَقد بلغ الْعَرَب من سخافة الْعقل حدا صَنَعُوا أصنامهم من الْحَلْوَى ثمَّ عبدوها فَلَمَّا جَاعُوا أكلوها وبلغوا من تضعضع الْأَخْلَاق وَهنا قتلوا فِيهِ بناتهم تخلصا من عَار حياتهن أَو تنصلا من نفقات معيشتهن وَبلغ الْفُحْش مِنْهُم مبلغا لم يعد مَعَه للعفاف قيمَة وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَت ربط النظام الاجتماعى قد تراخت عقدهَا فى كل أمة وانفصمت عراها عِنْد كل طَائِفَة
أفلم يكن من رَحْمَة الله بأولئك الأقوام أَن يؤديهم بِرَجُل مِنْهُم يُوحى إِلَيْهِ رسَالَته ويمنحه عنايته ويمده من الْقُوَّة بِمَا يتَمَكَّن مَعَه من كشف تِلْكَ الغمم الَّتِى أظلت رُءُوس جَمِيع الْأُمَم نعم كَانَ ذَلِك وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد
وفى اللَّيْلَة الثَّانِيَة عشر من ربيع الأول عَام الْفِيل ٢٠ ابريل سنة ٥٧١ من مِيلَاد الْمَسِيح ﵇ ولد مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم القرشى
1 / 70