الدّين باعثا لَهَا على طلب الْعرْفَان مطالبا لَهَا باحترام الْبُرْهَان فارضا عَلَيْهَا أَن تبذل مَا تَسْتَطِيع من الْجهد فى معرفَة مَا بَين يَديهَا من العوالم وَلَكِن مَعَ الْتِزَام الْقَصْد وَالْوُقُوف فى سَلامَة الِاعْتِقَاد عِنْد الْحَد وَمن قَالَ غير ذَلِك فقد جهل الدّين وجنى عَلَيْهِ جِنَايَة لَا يغفرها لَهُ رب الْعَالمين
اعْتِرَاض مشهود
قَالَ قَائِل إِن كَانَت بعثة الرُّسُل حَاجَة من حاجات الْبشر وكمالا لنظام اجْتِمَاعهم وطريقا لسعادتهم الدُّنْيَوِيَّة والأخروية فَمَا بالهم لم يزَالُوا أشقياء عَن السَّعَادَة بعداء يتخالفون وَلَا يتفقون يتقاتلون وَلَا يتناصرون يتناهبون وَلَا يتناصفون كل يستعد للوثبة وَلَا ينْتَظر إِلَّا مجىء النّوبَة حَشْو جُلُودهمْ الظُّلم وملء قُلُوبهم الطمع عد أهل كل ذى دين دينهم حجَّة لمقارعة من خالفهم فِيهِ وَاتَّخذُوا مِنْهُ سَببا جَدِيدا للعداوة والعدوان فَوق مَا كَانَ من اخْتِلَاف الْمصَالح وَالْمَنَافِع بل أهل الدّين الْوَاحِد قد تَنْشَق عصاهم وتختلف مذاهبهم فى فهمه وتتفارق عُقُولهمْ فى عقائدهم ويثور بَينهم غُبَار الشَّرّ وتتشبث أهواؤهم بالفتن فيسفكون دِمَاءَهُمْ ويخربون دِيَارهمْ إِلَى أَن يغلب قويهم ضعيفهم فيستقر الْأَمر للقوة لَا للحق وَالدّين فها هُوَ الدّين الذى تَقول إِنَّه جَامع الْكَلِمَة وَرَسُول الْمحبَّة كَانَ سَببا فى الشقاق ومضرما للضغينة فَمَا هَذِه الدَّعْوَى وَمَا هَذَا الْأَثر
نقُول فى جَوَابه نعم كل ذَلِك قد كَانَ وَلَكِن بِعُذْر من الْأَنْبِيَاء وانقضاء عَهدهم وَوُقُوع الدّين فى أيدى من لَا يفهمهُ أَو يفهمهُ ويغلو فِيهِ أَولا يغلو فِيهِ وَلَكِن لم يمتزج حبه بِقَلْبِه أَو امتزج بِقَلْبِه حب الدّين وَلَكِن ضَاقَتْ سَعَة عقله عَن تصريفه تصريف الْأَنْبِيَاء أنفسهم أَو الْخيرَة من تبعتهم وَإِلَّا فَقل لنا أى نبى لم يَأْتِ أمته بِالْخَيرِ الجم والفيض الْأَعَمّ وَلم يكن دينه وافيا بِجَمِيعِ مَا كَانَت تمس إِلَيْهِ حَاجَتهَا فى أفرادها وجملتها
أَظن أَنَّك لَا تخالفنا فى أَن الْجُمْهُور الْأَعْظَم من النَّاس بل الْكل إِلَّا قَلِيلا
1 / 65