أَفْرَاده فى مواهب الْفَهم وفى قوى الْعَمَل وفى الهمة والعزم فَمنهمْ المقصر ضعفا أَو كسلا المتطاول فى الرَّغْبَة شَهْوَة وَطَمَعًا يرى فى أَخِيه أَنه العون لَهُ على مَا يُرِيد من شئون وجوده لكنه يذهب من ذَلِك إِلَى تخيل اللَّذَّة فى الاستئثار بِجَمِيعِ مَا فى يَده وَلَا يقنع بمعاوضته فى ثَمَرَة من ثمار عمله وَقد يجد اللَّذَّة فى أَن يتمتع وَلَا يعْمل وَيرى الْخَيْر فى أَن يُقيم مقَام الْعَمَل إِعْمَال الْفِكر فى استنباط ضروب الْحِيَل ليتمتع وَإِن لم ينفع ويغلب عَلَيْهِ ذَلِك حَتَّى يخيل لَهُ أَن لَا ضير عَلَيْهِ لَو انْفَرد بالوجود عَمَّن يطْلب مغالبته وَلَا يبالى بإرساله إِلَى عَالم الْعَدَم بعد سلبه فَكلما حثه الذّكر والخيال إِلَى دفع مَخَافَة أَو الْوُصُول إِلَى لذيذ فتح لَهُ الْفِكر بَابا من الْحِيلَة أَو هيأ لَهُ وَسِيلَة لاستعمال الْقُوَّة فَقَامَ التناهب مقَام التواهب وَحل الشقاق مَحل الْوِفَاق وَصَارَ الضَّابِط لسيرة الْإِنْسَان إِمَّا الْحِيلَة وَإِمَّا الْقَهْر
هَل وقف الْهوى بالإنسان عِنْد التنافس فى اللذائذ الجسدانية وتجالد أَفْرَاده طَمَعا فى وُصُول كل إِلَى مَا يَظُنّهُ غَايَة مطلبه وَإِن لم تكن لَهُ غَايَة كلا وَلَكِن قدر لَهُ أَن تكون لَهُ لذائذ روحانية وَكَانَ من أعظم همه أَن يشْعر بالكرامة لَهُ فى نفس غَيره مِمَّن تجمعه مَعَهم جَامِعَة مَا حَسْبَمَا يَمْتَد إِلَيْهِ نظره وَقد بلغت هَذِه الشَّهْوَة حد من الْأَنْفس كَادَت تتغلب على جَمِيع الشَّهَوَات وَأخذت لَذَّة الْوُصُول إِلَيْهَا من الْأَرْوَاح مَكَانا كَاد لَا تصعد إِلَيْهِ سَائِر اللَّذَّات وهى من أفضل العوامل فى إِحْرَاز الْفَضَائِل وتمكين الصلات بَين الْأَفْرَاد والأمم لَو صرفت فِيمَا سيقت لأجل وَلَكِن انحرف بهَا السَّبِيل كَمَا انحرف بغَيْرهَا للأسباب الَّتِى أَشَرنَا إِلَيْهَا من التَّفَاوُت فى مَرَاتِب الْإِدْرَاك والهمة والعزيمة حَتَّى خيل لكثير من الْعُقَلَاء أَن يسْعَى إِلَى إعلاء مَنْزِلَته فى الْقُلُوب بإخافة الْأَمْن وإزعاج السَّاكِن وإشعار الْقُلُوب رهبة المخافة لَا تهيب الْحُرْمَة
هَل يُمكن مَعَ هَذَا أَن يَسْتَقِيم أَمر جمَاعَة بنى نظامهم وعلق بقاؤهم فى الْحَيَاة على تعاونهم ورفد بَعضهم بَعْضًا فى الْأَعْمَال أَولا تكون هَذِه الأفاعيل السَّابِق ذكرهَا سَببا فى تفانيهم لَا ريب أَن الْبَقَاء على تِلْكَ الْأَحْوَال من ضروب الْمحَال فَلَا بُد للنوع الإنسانى فى حفظ بَقَائِهِ من الْمحبَّة أَو مَا يَنُوب منابها
1 / 53