إِلَيْهِ من أقرب الطّرق من غير نظر إِلَى مَا مَال إِلَيْهِ الْمُخَالف أَو استقام عَلَيْهِ الْمُوَافق اللَّهُمَّ إِلَّا إِشَارَة من طرف خفى أَو إلماعا لَا يسْتَغْنى عَنهُ القَوْل الجلى
وللكلام فى بَيَان الْحَاجة إِلَى الرُّسُل مسلكان الأول وَقد سبق الْإِشَارَة إِلَيْهِ يبتدىء من الِاعْتِقَاد بِبَقَاء النَّفس الإنسانية بعد الْمَوْت وَأَن لَهَا حَيَاة أُخْرَى بعد الْحَيَاة الدُّنْيَا تتمتع فِيهَا بنعيم أَو تشقى فِيهَا بِعَذَاب أَلِيم وَأَن السَّعَادَة والشقاء فى تِلْكَ الْحَيَاة الْبَاقِيَة معقودان بأعمال الْمَرْء فى حَيَاته الفانية سَوَاء كَانَت تِلْكَ الْأَعْمَال قلبية كالاعتقادات والمقاصد والارادات أَو بدنية كأنواع الْعِبَادَات والمعاملات
اتّفقت كلمة الْبشر مُوَحِّدين ووثنيين مليين وفلاسفة إِلَّا قَلِيلا لَا يُقَام لَهُم وزن على أَن لنَفس الْإِنْسَان بَقَاء تحيا بِهِ بعد مُفَارقَة الْبدن وَأَنَّهَا لَا تَمُوت موت فنَاء وَإِنَّمَا الْمَوْت المحتوم هُوَ ضرب من الْبُطُون والخفاء وَإِن اخْتلفت منازعهم فى تَصْوِير ذَلِك الْبَقَاء وَفِيمَا تكون عَلَيْهِ النَّفس فِيهِ وتباينت مشاربهم فى طرق الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ فَمن قَائِل بالتناسخ فى اجساد الْبشر أَو الْحَيَوَان على الدَّوَام وَمن ذَاهِب إِلَى أَن التناسخ يَنْتَهِي عِنْدَمَا تبلغ النَّفس أَعلَى مَرَاتِب الْكَمَال وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا مَتى فَارَقت الْجَسَد عَادَتْ إِلَى تجردها عَن الْمَادَّة حافظة لما فِيهِ لذتها أَو مَا بِهِ شقوتها وَمِنْهُم من رأى أَنَّهَا تتَعَلَّق بأجسام أثيرية ألطف من هَذِه الْأَجْسَام المرئية وَكَانَ اخْتِلَاف الْمذَاهب فى كنه السَّعَادَة والشقاء الآخرويين وَفِيمَا هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الْآخِرَة وفى الْوَسَائِل الَّتِى تعد للنعيم أَو تبعد عَن النكال الدَّائِم وتضارب آراء الْأُمَم فِيهِ قَدِيما وحديثا مِمَّا لَا تكَاد تحصى وجوهه
هَذَا الشُّعُور الْعَام بحياة بعد هَذِه الْحَيَاة المنبث فى جَمِيع الْأَنْفس عالمها وجاهلها وحشيها ومستأنسها باديها وحاضرها قديمها وحديثها لَا يُمكن أَن يعد ضلة عقلية أَو نَزعَة وهمية وَإِنَّمَا هُوَ الإلهامات الَّتِى اخْتصَّ بهَا هَذَا النَّوْع فَكَمَا ألهم الْإِنْسَان أَن عقله وفكره هما عماد بَقَائِهِ فى هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا وَإِن شَذَّ أَفْرَاد
1 / 47