وأما حس اللمس فهو يدرك هذه المتضادة من غير غلط لاحق له في إدراكها، فكان جهة إدراكها له غير الجهة التي يدركها سائر الحواس، ولذلك قد نرى أيضًا انه خاص بها.
وبالجملة ليس يخلو الأمر فيه إما أن يكون من المحسوسات المشتركة لكن يكون مع هذا حاسة اللمس أصدق في تميزه أو يكون من جهة خاصة لهذه الحاسة ومن جهة مشتركًا. فإن الجهة التي بها يدرك أيضًا سائر الحواس الثقل والخفة وقد ندركها من تلك الجهة حاسة اللمس ويعرض لها الغلط فيه كما يعرض لتلك وهي السرعة والبطوء.
وأما الجهة الخاصة التي منها لدرك هذه القوة المتضادة، وهي جهة إحساسها بالميل المحرك فليس يعرض لها فيه غلط أصلًا لكن هذه المضادة، أعني الثقل والخفة لما كانت أيضًا من جهة ما مشتركة للملموسات قد نرى أنه ليس، ينبغي أن نجعل القوة المدركة لها قوة أخرى غير قوة اللمس، حتى تكون قوة سادسة. وأيضًا فإن الآلة التي بها تدرك هذه القوة الحرارة والبرودة والثقل والخفة هي آلة واحدة، وقد قلنا أن أحد ما يكون به القوة واحدة هي أن تكون آلتها واحدة. فأما تفرق الاتصال فليس جنسًا آخر من الحس على ما يراه ابن سينا ولا هاهنا محسوسات غير هذه التي عددناها، وإنما تحس هذه القوة، أعني قوة اللمس الأذى اللاحق عن تفرق الاتصال بما يحدث عنه من الحرارة واليبوسة التابعين لحركة الجسم الذي يفرق الاتصال ولذلك كلما كانت الأجسام التي تفعل ذلك ألطف وأقل خشونة كان تفرق الاتصال أقل حسًا، وكلما كانت أغلظ وأخشن كان الأمر بالعكس..
وابعد من هذا كله ما يراه جالينوس من أن هذه القوة إنما تدرك محسوساتها الخاصة بها بتوسط إدراكها تفرق الاتصال، فإن التفرق ضد الاتحاد، وهذه هي من المحسوسات المشتركة ونفس التفرق ليس يحدث عنه وجع كما ظنه جالينوس، لكن الأمر في هذا كما قلناه بعكس ما ظن جالينوس، وجالينوس نفسه نجد يسلم هذا المعنى في موضع آخر، وذلك عند شرحه قول أبقراط أنه لو كان الجسم مؤلفًا من أشياء من طبيعة واحدة لما كان يألم عندما يغمز بشيء تفرق أجزاءه، وإذا كان ذلك كذلك فإذن تفرق الاتصال إنما يحس من جهة الاستحالة التي تعرض للمركب المتصل من جهة الجسم المفرق لاتصاله، وذلك من جهة الضدية الموجودة فيه. فقد قلنا ما هذه القوة وما محسوساتها، وبالجملة ما به تتقوم بأوجز ما أمكننا فلنسر إلى القول في الحس المشترك
القول في الحس المشترك
وهذه القوى الخمس التي عددناها يظهر من أمرها أن لها قوة واحدة مشتركة، وذلك أنه لما كانت هاهنا محسوسات لها مشتركة فهاهنا إذن لها قوة مشتركة بها تدرك المحسوسات المشتركة، سواء كانت مشتركة لجميعها كالحركة والعدد أو لاثنين منها فقط كالشكل والمقدار المدركان بحاسة البصر وحاسة اللمس.
وأيضًا فلما كنا بالحس ندرك التغاير بين المحسوسات الخاصة بحاسة حاسة حتى نقضي مثلًا على هذه التفاحة أنها ذات لون وريح وطعم وأن هذه المحسوسات متغايرة فيها، وجب أن يكون هذا الإدراك لقوة واحدة، وذلك أن القوة التي نقضي على أن هذين المحسوسين متغائرين هي ضرورة قوة واحدة، فإن القول بأن القوة التي بها ندرك التغاير بين شيئين محسوسين ليست بقوة واحدة بمنزلة القول بأني أدرك المخالفة التي بين المحسوس الذي أحسسته أنا والمحسوس الذي أحسسته أنت وأنا لم أحسه وهذا بين بنفسه.
1 / 15