فقال أبو الطيب: البقاء والإمة: النعمة فقال: كيف جمع بين الصبا والدبور وإحداهما لينه والأخرى شديدة فقال: ليصبح الوزن والقافية. فأقبل الطالبي علي فقلت: غنما اختار الصبا مع الدبور فجاء بألين ريح مع أشد ريح، لأن الناس يموت بعضهم بالشدة وبعضهم بالسهولة، ومنهم من تخترمه المنية هكذا، ومنهم من تخترمه هكذا، على حال تأتي وتأخذ. فقال أبو الطيب: ما سمعنا بهذا. فقلت: ولا بغيره. ثم قلت: من الإنصاف أن لا تتعدى شعرك إلى غيره، لأن في تصفح محاسبه واستثمار أفنانه ما ألهى عن غيره. وهاهنا أشياء تعتلج في صدري منه، أحببت مراجعتك القول فيها: فقال: وما هي: أخبرني عن قولك:
) خفَ الله واستْر ذا الجمال ببرقعٍ ... فإن لُحتَ حاضتْ في الخدودِ العواتقُ (
أهكذا ينسب بالمحبين؟ فقال: أما هكذا في كتابكم؟ فكفر، لعنه الله فقلت: أين؟ فقال تعالى:) فلما رأينه أكبرنه (أي حضن شهوةً له واستحسانًا لصورته، فقلت: لم يقل هذا أحد من محصلي أهل العلم، ولا شهد به ثقةوإنما روي بيت شاذ لم ينسب إلى أحد:
نأتي النًساءَ على أطهارهنٌ ولا ... نأتي النُساء إذا أكبْرنً إكباراَ
قال: فما معنى أكبرنه؟ فقلت: أعظمنه، ولا يجوز أن يكون: حضنه، لأن تقدير الكلام يوجب ذلك، إن كان الإكبار الحيض. قلت والدليل على أن معناه أعظمنه قولهن:) ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم (. قال فاغتفر هذا القول لقولي في هذه القصيدة:
) وليلٍ دجَوجيِ كأنا جلتْ لنا ... محيالَ فيه فاهًدينا السمالقُ (
) فما زالً لولا نوُروجهكً جنحهُ ... ولا جابهًا الرُكبانُ لولاْ الأيانق (
) شدواْ بابن إسحاقَ الحسينِ فصافحتْ ... ذَفاريهاَ كيرانهاُ والنمارقُ (
) فتى ًكالسحابِ الجونْ يخشى ويُرتجى ... يرجىُ الحيَا منه وتخشىَ الصواعقُ (
) إذا الهند وانياتِ بالهامٍ والطُل ... فهنِ مداريها وهنَ المخانقُ (
) كأنكَ في الإعطاء لمالِ مبغضُ ... وفي كلٌ حربٍْ للمنيًةٍ عاشقُ (
) فما ترْزُقُ الأقدار مًن أنتً حارٍمُ ... ولا تحرم الأمن أنت رازقُ (
) لك الخير غيرك الغنى ... وغيري بغيرِ اللاذقية لاحقُ (
) هي الغرضُ الأقصى ورؤيتكُ المنى ... منزلكُ الدنيُا وأنت الخلائق (
فقلت له: أما قولك) وليلِ دجوجيٍ كأناُ جلستْ لنا (فمن قول محمد بن مناذر:
لماُ رأيناْ صارً لنًا ... الململْ نهارًا بذكْر هاروناَ
إذا نحن أدلجنْا وأنْت أمامنا ... كفىً بالمطاياَ ضوءُ وجهكَ هادياَ
أليسَ يزيدُ العيسَ خفةَ أذرعٍ ... وإنْ كنُ حسرْى أن تكون أمامياَ
فأخذ هذا مروان الأكبر فقال للمهدي:
إلى المصطفى المهديً خاضتْ ركابناُ ... دجى الليلِ يخبطنَ السريحَ المخدما
يكون لها نورُ الإمام محمدٍ ... دليلًا به تسري إذا الليلُ أظْلماَ
فأخذ هذا المعنى إدريس بن أبي حفصة فقال:
لما أتتك وقد كانتْ منازعةً ... دانى الرضاَ بينَ أيديها بأقيادي
لها أمامك نورُ تستضيء بهِ ... ومنَ رجائكَ في أعقابها حادي
فقال أشجع:
إذا غابَ الفجرُ خضنْا بوجههِ ... دجىُ الليَل حتى يسَتبينَ لنا الفجرُ
ونقل المعنى العباس بن الأحنف فقال:
لوْ لم يكنْ قمرُ إذا أنا زٌرْتكمْ ... يهدي إلى سننَ الطُريق الواضحِ
لتوَقدُ الشوْقُ المنُير بذكركمْ ... حتى تضُيء الأرضْ بينَ جوانحي
فقال القصافي وأحسن:
ذكْرتُكُم يوْمًا فنوَر ذكركمْ ... دجىٌ الليلُ حتى انجابَ عني دياجرهْ
فو الله ما أدري أضوْءَ مسجَر ... لذكراكُم أمْ يسجرُ الليل ساجرهْ
فقال بعض الشاميين المطبوعين، وعليه اعتمدت:
وليلٍ وصلناْ بينَ قطريهْ بالسرىَ ... وقد جد شوْقُ مطمع في وصالكِ
أربتْ عليناَ من دجاه َ حناَدسُ ... أعدْن الطَريقَ الوَعَر نهجَ المسالكِ
فنادَيْت يا أسماءُ باسمكِ فانجلتْ ... وأسفرَ منها كلٌ أسودَ حالكِ
بنا أنت من هادٍ نجوْنا بذكْرهِ ... وقد نَشبتْ فينا أكفُ المهالكِ
منحتٌكِ إخلاصي وأصفيتٌك الهوىَ ... وإن كنتِ لماُ تخطريني ببالكِ
وأما قولك) غدا الهندانيات (فمن قول أبي الهول الحميري:
1 / 7