ومن هاهنا أخذ النابغة قوله:
إذنْ فلا رفَعَتْ سوْاطي إلى يديَ
وهبه لم يرد هذا، أما روى قول أبي سعد المخزومي:
لا والذي خَلقَ الصهُباءَ من ذهَبٍ ... والماءَ من فضةٍ لا سادَ منَْ بخلاَ
ولا روى قول علي بن محمد العلوي البصري:
يلَقىْ الرماحَ بنحرهِ وبصَدرهِ ... ويقيُمُ هامتَهُ مقُامَ المغفَر
ويقولُ للطُرفِ اصطبرْ لشبا القنَا ... فهدَمت رُكنَ المجدِ إن لم تُغفرِ
وإذا تأمل شخصَ ضيفٍ طارقًا ... مُتسَربلًا سرْبالَ ليلٍ أغبرِ
أوْمأ إلى الكوْماء هذا طاِرقٌ ... نحَرتْنَي الأعداء إن لم تنُحْري
غث الكلام ومستكرهه قوله:
) فتىَ ألفُ جزْءٍ رأيهُ في زمانهِ ... أقل ُ جُزيءٍ بعضهُ الرأيُ أجمعُ (
وقوله:
) فكلُكمُ أتى مأتيَ أبيهِ ... وكلَ فِعالِ كُلكمُ عُجابُ (
فهذا لفظ مضطرب ونظم متهافت وقوله:
) يا منَ نلوذُ من الزمانِ بظلهِ ... أبدًا ونطردُ باسمهِ إبليساَ (
) خيرُ على القُصوُرِ وشرهاَ َ ... يأوي الخرابَ ويسكنُ النُاوُوسا (
وفي هذه الكلمة يقول يقول خير الطيور على القصور فمن الطيور التي تألف القصور المبينة اللقالق والهام، وليست بخير الطيور.
ومن سفساف الكلام قوله:
) حتى يقولَ الناُسُ ماذا عاقلًا ... ويقول بيتُ المالِ ماذا مسُلماَ (
وإنما آذاه قول عبيد بن أيوب العنبري أحد اللصوص:
ما كانَ يعُطي مثلهاَ في مثْلهِ ... إلا كَريمُ الخيمِ أوْ مَجنونُ
وإلى هذا ذهب أبو نواس في قوله الذي تاه خاطره عن طريق الصواب فيه: جاد بالأموالِ حتىٌ قيلَ ما هذا صحيحُ فقال أبو تمام:
ما زالَ يهذيَ بالمكارمِ والندىَ ... حتى ظننَا أنهُ محمومُ
فقال البحتري وأحسن في عبارته:
إذا معشُر صانوا السماحَ تعسرتْ ... به همةٌ مجْنوُنةُ في ابتذالِهِ
وكل هؤلاء أرادوا قول الأول:
في حبُ منَ يرْجىُ فَواصلهُ ... فاستمطرواُ من قرُيشٍ كل منُخدعِ
تَخالُ فيهِ إذا خادعته بلها ... عن مالهِ وهوَ رابي الدُين والورَعِ
فوقع إلى التيه، وتَد هدىَ أبو الطيب في آثارهم على أم رأسه. وقد ألمُ بهذا المعنى أبو تمام فتخطىُ العيب فيه:
ولَهَتهُ العلىُ فليسَ يَعُدُ ... البؤسَ بؤسًا ول النٌعيمَ نعيَماَ
وقوله:
) كأني دحوْتُ الأرْضَ من خبرتيَ بها ... وكان بني الإسكندرُ السدُ من عزمي (
وهذا لفظ مستهجن، وتشبيه غير مستحسن. وإنما أراد به قول أبي تمام على أنه لا خير فيه أيضًا:
فطَحطحتُ سدًا سدُ يأجوجَ دونهُ ... منَ الهمَ لم يفرغْ على زبْرهِ قطرُ
ومما لا طائل فيه قولك:
) دانٍ بعيد مجيبٍ مبغضٍ بهجٍ ... أعزَ حُلوٍْ ممرٍُ لينٍُ شرسِ (
) ندٍ أبيٍ غرٍوافٍ أخي ثقةٍ ... جعدٍ سريٍ نهٍ ندبٍ رضىً ندُسَ (
أخذ قوله:) حلُوْ ممرُ (من قول الشنفري بل من قول الهذلي:
حُلوْ ومرُ كعطْفِ القدحِ مرتهُ ... في كل إنيٍ قضاهٌ الليلُ ينتعلُ
ومما لا طائل فيه أيضًا قولك:
) العارض الهَتنُ ابن الهتنِ ... ابن العارضِ الهتن ابن العارض الهتنِ (
ونحو هذا قولك أيضًا:
) أطعَنُها بالقناةِ أضربُها ... بالسٌيفِ جحجاحُها مُوَودها (
) أفْرسهاُ فارِسًا وأطْولهاُ ... باعًا ومغوراُها وسيُدها (
) شمسُ ضحاها هلالُ ليلتها ... دُرٌ تقاصيرها زَبرْجدها (
وهو مع ذلك مركب تركيبًا على قول أبي بكر دريد في قصيدة أولها:
ما شُغُلي بالطولِ أندُبهاُ
حجْزُ فتَى يعْربٍ ومِدرْههاُ ... وسيُفها المنُتضى ومحرَبهاُ
صندْيدُها حصْنهاُ خبعْثنُها ... أطْعنهاُ بالقنَا وأضْربهاُ
لهُمٌومهاُ قرمهاُ مقدَمهاُ ... ضيغمهاٌ نجمهاُ عصبصَها
وجرى في نحو هذا عدة أبيات. ولم نسمع بأحد شبه الرجل بالزبرجد قبله، وهذا من معانيه الأبكار وألفاظه الأحرار.
ومن هجين الكلام قوله أيضا:
) وليسَ كبحرِ الماء يشتَفُ قعَرهَ ... إلى حيث يفَنى الماءُ حوتُ وضفدعُ (
ومن الغثاثة التي لا ريب فيها قوله:
) غثاَتهُ عيْشي أنْ تغثُ كرامتي ... وليسَ بغَثٍ أنْ تغثً المآكلُ (
1 / 13