Risala Ila Ahl Thughr
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
Investigador
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
Editorial
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Número de edición
١٤١٣هـ
Ubicación del editor
المملكة العربية السعودية
Géneros
Doctrinas y sectas
صحة أخباره، ودل على أن ما أتى به من الكتاب والسنة من عند الله ﷿ ١.
وإذا ثبت بالآيات صدقه، فقد علم صحة كل ما أخبره به النبي ﷺ عنه، وصارت أخباره ﵇ أدلة على صحة سائر ما دعانا٢ إليه من الأمور الغائبة عن حواسنا وصفات فعله، وصار خبره عن ذلك سبيلًا إلى إدراكه، وطريقًا إلى العلم بحقيقته٣.
وكان ما يستدل به من أخباره ﵇ على ذلك أوضح دلالة من دلالة الأعراض٤ التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة، ومن اتبعها من القدرية٥، وأهل
_________
١ سبق أن تكلم الأشعري عن المعجزات النبوية، وأشار إلى أنها دليل قوي على صدق الرسول ﷺ فيما يبلغه عن ربه، وهنا يعود فيؤكد ويقرر ما سبق، وينص على أن ما أيد به ﷺ من المعجزات يوجب علينا تصديقه فيما يدعو إليه، لأنه مبلغ عن الذي أيده بهذه المعجزات.
ويقول ابن حزم، وهو بصدد الكلام عن النبوة: "فصح ضرورة أن الله تعالى شهد لهم بما اظهر على أيديهم صحة ما أتوا به عنه، وأنه تعالى صدقهم فيما قالوه". (انظر: المحلى ١/٢٩، والفصل ١/٧٣، ٧٤) .
٢ في (ت) "ما دعا".
٣ يشير الأشعري هنا إلى نقطة هامة جدًا، وهي ما يمكن أن نطلق عليه "واجب العقل بعد إرسال الرسل"، وخلاصة قوله في ذلك هو أنه يلزم من الإيمان الرسالة وتصديق الرسول التصديق المطلق له في كل ما أخبر به عن ربه، وخاصة فيما لا يقع تحت حواسنا من الأمور الغيبية التي أخبر بها، ومنها صفات الباري جل وعلا، لأن مقتضى العقل تصديق الصادق ومنه تصديق أبي ﵁ بخبر الإسراء والمعراج، ومنه أيضًا ما رواه أبو هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: "بينما راع في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة، فطلبها حتى استنقذها فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السبع؟ ليس لها راع غيري، فقال الناس: سبحان الله، فقال النبي ﷺ: فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر، وما ثم أبو بكر وعمر". (البخاري باب مناقب عمر بن الخطاب ٤/٢٠٠، ومسلم باب فضائل أبي بكر ٤/١٨٥٨، والمسند ٢/٢٤٦) .
فإيمان رسول الله بذلك وهو لم يشهده دليل على أنه أوحي به إليه، وحكمه على أبي بكر وعمر بتصديقهما لذلك وهما غير موجودين عند الحديث، لعله بتصديقهما إذا علما أن الخبر صادر من رسول الله ﷺ لأنه قد ثبت عندهما صدقه، فلزم تصديقه في كل ما يخبر به.
ويقول الشيخ محمد عبده: "بعد أن ثبت نبوته ﷺ بالدليل القاطع على ما بيناه، وأنه إنما يخبر عن الله تعالى، فلا ريب أنه يجب تصديق خبره، والإيمان بما جاء به". (انظر: رسالة التوحيد ص٢٠٠) .
وعلى هذا أقول: يجب تصديق رسول الله ﷺ فيما أخبر به من أمور الغيب كأشراط الساعة وغيرها، ومن ذلك أسماء الله وصفاته دون إعمال العقل بنظر في ذلك.
٤ في (ت) "الاعتراض" والعرض لغة ما يقل لبثه، واصطلاحًا: ما يعرض في الوجود ولا يجب له من اللبث ما للجواهر. (انظر: المغني للقاضي عبد الجبار ٦/١٦٦) .
٥ القدرية من الألفاظ المشتركة التي تطلق على من يقول بالقدر خيره وشره، ويقولون مع هذا بأن العبد مجبور في جميع حركاته ويسمون الجبرية، قال شارح الطحاوية: "وقد تسمى الجبرية قدرية لأنهم غلوا في إثبات القدر" (انظر: ص٤٧١) .
وتطلق أيضًا على من ينفون الإرادة عن الله تعالى، ويقولون بأن العبد يخلق فعل نفسه، وهم المعنيون بقول رسول الله ﷺ القدرية مجوس هذه الأمة.
وعرفهم الإمام أحمد بقوله: "والقدرية وهم الذين يزعمون أن إليهم الاستطاعة والمشيئة والقدر، وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر، والضر والنفع، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال، وأن العباد يعملون بدءًا من غير أن يكون سبق لهم ذلك من الله ﷿، أو في علمه، وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية، وهو أصل الزندقة". (انظر: رسالة السنة ص٨١ بتصحيح الشيخ إسماعيل الأنصاري) .
وأول من تكلم في القدر معبد الجهني البصري، وكان ذلك في زمن المتأخرين من الصحابة كعبد الله بن عمر وابن عباس وغيرهم، وأنكروا عليهم ذلك وهجروهم. (انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص١٨، والتبصرة في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين لأبي المظفر الإسفرائيني ص١٣، وتيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص٦٨٧) .
وذهب الملطي إلى أنهم سبع فرق أولاها: "من يزعمون أن الحسنات والخير من الله، والشر والسيئات من أنفسهم...". (انظر: تنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص١٥٧) .
وقسم ابن تيمية القدرية إلى ثلاثة أصناف:
أولًا القدرية المشتركة المعترفين بالقضاء والقدر، إلا أنهم قالوا بأن ذلك يوافق الأمر والنهي، وقالوا: لو شاء الله ما أشركنا وهؤلاء يؤول أمره إلى تعطيل الشرائع.
ثانيًا: القدرية المجوسية: وهم الذين يجلون لله شركاء في خلقه ويقولون خالق الخير غير خالق الشر، وهما قسمان: غلاة القدرية الذين يقولون بأن الله لم يسبق له علم بأفعال العباد، والقدرية المعتزلة الذين يقولون سبق بها إلا أنه لم يخلقها ولم يقدرها.
ثالثًا: القدرية الإبليسية: وهم الذين صدقوا بأن الله صدر عنه الأمران لكن عندهم هذا تناقض. (انظر: مجموع الفتاوى ٨/٢٥٦- ٢٦١) .
1 / 105