ومن حيث مصدرها الذي تصدر عنه (وهو الله) إلا إذا شئنا أن نظن أو بالأحرى أن نحلم (ونتخيل) أن للأنبياء بدنا إنسانيا، وليست لهم روح إنسانية،
4
بحيث تختلف إحساساتهم ومشاعرهم في طبيعتها عن إحساساتنا ومشاعرنا.
ومع أن المعرفة الفطرية معرفة إلهية بمعنى الكلمة، فإننا لا يمكن أن نسمي من يقومون بنشرها أنبياء، إذ يستطيع كل فرد أن يدرك تعاليم المعرفة الفطرية ويفهمها باليقين نفسه، دون الاعتماد على الإيمان وحده.
5 ⋆
لذلك، لما كان ذهننا قادرا على تكوين بعض الأفكار التي توضح طبيعة الأشياء والتي توجهنا في الحياة العملية، لا لشيء إلا لأنه ينطوي موضوعيا على طبيعة الله ويشارك فيها، فمن حقنا أن نسلم بأن السبب الأول لكل وحي يرجع إلى طبيعة الذهن الإنساني منظورا إليه على أنه قادر على المعرفة الفطرية. وكما قلنا من قبل، فإن كل ما نعرفه بوضوح وتميز تمليه علينا فكرة الله وطبيعته لا بالأقوال، ولكن بوسيلة أرفع من ذلك بكثير ، متفقة تماما مع طبيعة ذهننا، ومن ذاق اليقين العقلي الكامل
6
يعرف تماما ماذا أقصد. ولكن لما كان موضوعي الأساسي هو الحديث عن الكتاب المقدس وحده، فلن أفيض في شرح النور الفطري بل سأنتقل إلى الحديث بمزيد من الإسهاب والوسائل الأخرى التي يتبعها الله في الكشف للناس عما يتجاوز حدود المعرفة الفطرية، وربما لا يتجاوزها (إذ ليس هناك ما يمنع من أن يتبع الله طرقا مختلفة لتبليغ الناس بما يعرفونه من قبل بالنور الفطري).
ومهما يكن من شيء، فإننا يجب أن نستخلص هذه الأسباب والوسائل من الكتاب المقدس وحده، فكيف يمكننا الحديث عما يتعدى حدود ذهننا دون الرجوع إلى ما نقله الأنبياء لنا شفاها أو كتابة؟ ولما كان ظهور الأنبياء في أيامنا هذه قد انقطع - على ما أعلم - فلنكتف بفحص الكتب المقدسة التي تركها الأنبياء السابقون دون أن نتقول شيئا يتعلق بهذا الموضوع أو ننسب إلى الأنبياء شيئا لم يقولوه هم أنفسهم بوضوح تام. ومع ذلك، يجب أن ننوه هنا بأن اليهود لم يذكروا مطلقا العلل المتوسطة، أي العلل الجزئية بل أهملوها تماما مفوضين كل شيء إلى الله بدافع من ورعهم الديني أو كما نقول عادة بدافع من تدينهم الشديد،
7
Página desconocida