9
وعلى العكس من ذلك، ففي المجتمع السليم الذي يحافظ على العدالة يجب على كل فرد - إن أراد أن يكون عادلا - أن يطلب من القاضي معاقبة من ظلمه (انظر: الأحبار، 5: 1)
10
لا بدافع الانتقام (الأحبار، 19: 17-18)،
11
بل رغبة في الدفاع عن العدالة وعن قانون الوطن، وحتى لا يجني الأشرار ثمارا من شرهم، ويتفق هذا كله اتفاقا تاما مع العقل الطبيعي بدوره. وأستطيع أن أذكر أمثلة عديدة من هذا النوع، ولكني أرى أن ما أعطيته كاف لعرض فكرتي ولبيان فائدتها، وهو ما أهدف إليه الآن. على أننا كنا حتى الآن نبين كيف يمكن دراسة نصوص الكتاب التي تتعلق بتدبير شئون الحياة، والتي تسهل دراستها لهذا السبب ، لأنه لا يوجد في الواقع أي خلاف في هذا الموضوع بين من دونوا الكتب المقدسة. أما ما تبقى من محتوى الكتاب، الذي يدخل في ميدان التأمل النظري وحده، فإن الوصول إليه أمر صعب، والطريق إليه أضيق؛ إذ إنه لما كان الأنبياء لم يتفقوا فيما بينهم على الموضوعات النظرية، وكانت رواياتهم مهيأة بحيث تتلاءم، إلى أقصى حد، مع الأحكام المسبقة لكل عصر، فإنه لا يحق لنا على الإطلاق أن نستنتج قول نبي من نصوص أوضح قال بها نبي آخر، إلا إذا ثبت بوضوح تام أن نظرة كلا النبيين إلى الأمور كانت واحدة.
وسأعرض الآن باختصار كيف يمكن في مثل هذه الحالات معرفة أفكار الأنبياء من التاريخ النقدي للكتاب.
12
وعلينا أن نبدأ في هذه الحالة بدورها بأكثر المبادئ شمولا وأن نتساءل أولا ما النبي؟ وما الوحي؟ وما مضمونه الأساسي؟ وما المعجزة؟ وهكذا بادئين بأكثر الأشياء شمولا، ثم نهبط منها إلى الأفكار الخاصة بكل نبي، ونصل بعد ذلك إلى معنى كل وحي أتى به نبي، وكل رواية وكل معجزة. ولقد بينا من قبل في المواضع المناسبة، وبأمثلة عديدة، الاحتياطات التي يجب علينا اتخاذها كي لا نخلط بين فكر الأنبياء والرواة من ناحية وبين فكر الروح القدس والحقيقة الأصلية من ناحية أخرى، فلا داعي إذن للإسهاب في ذلك الآن، إلا أننا يجب أن نلحظ فيما يتعلق بمعنى الوحي أن منهجا يعلمنا فقط كيف نبحث فيما رآه الأنبياء وسمعوه بالفعل، لا فيما أرادوا أن يعبروا عنه أو يمثلوه بالصور الحسية، فذلك ما نستطيع تخمينه، لا استنباطه عن يقين من معطيات الكتاب الأساسية.
13
Página desconocida