حيث يعني النص، على ما يبدو، أنه بالرغم مما قد يبذلونه من جهد لترك عبادة الله، فإن الله سيجمعهم من جديد من جميع الأقطار التي تشردوا فيها ويقودهم في صحراء الشعوب كما قاد أسلافهم في صحراء مصر. وبعد أن يفصلهم أخيرا عن العصاة والمرتدين، سيرفعهم على جبل قدسيته حيث تخدمه أسرة إسرائيل كلها. وبالإضافة إلى هذه النصوص، تعود الفريسيون بوجه خاص ذكر نصوص أخرى، ولكني أعتقد أني سأكون قد رددت بطريقة مرضية على كل النصوص عندما أرد على هذين النصين، وهذا ما سأفعله دون عناء كبير عندما أبرهن، بالكتاب نفسه، على أن الله لم يختر العبرانيين إلى الأبد، بل اختارهم في الظروف نفسها التي اختار فيها الكنعانيين
51
من قبل. فكما بينا آنفا، كان الكنعانيون بدورهم أحبارا يخدمون الله بوازع ديني، ولكن الله تخلى عنهم بسبب حبهم للشهوات، ولرخاوتهم، ولعبادتهم الباطلة. والواقع أن موسى قد حذر الإسرائيليين في سفر الأحبار (18: 27-28)
52
من تدنيس أنفسهم بنكاح المحرمات، كما فعل الكنعانيون حتى لا تلفظهم الأرض كما لفظت الأمم التي سكنت هذه الأقطار، وهو يوعدهم بألفاظ صريحة في سفر التثنية (8: 19-20) بدمار شامل، فيقول لهم: «فأنا شاهد عليكم اليوم بأنكم تهلكون هلاكا كالأمم التي أبادها الرب من أمامكم.» وعلى هذا النحو ذاته، نجد في الشريعة نصوصا أخرى تدل صراحة على أن الله لم يختر أمة العبرانيين إلى الأبد وبصورة مطلقة. وعلى ذلك، فإذا كان الأنبياء قد تنبئوا بميثاق جديد أزلي، ميثاق معرفة الله وحبه وفضله، فإنه من السهل أن نقتنع بأن هذا وعد للأتقياء وحدهم. والواقع أنه ورد صراحة في الإصحاح نفسه الذي ذكرناه الآن من سفر حزقيال أن الله سيفصل عنهم العصاة والمرتدين. ويذكر صفنيا (3: 12-13)
53
أن الله سيهلك الأغنياء ويبقي على الفقراء. إذن فلما كان هذا الاختيار يتعلق بالفضيلة الحقة، فيجب ألا نظن أنه قد وعد الأتقياء من اليهود وحدهم، مع استبعاد الآخرين، بل يجب أن نعتقد اعتقادا جازما بأن الأنبياء الحقيقيين من غير اليهود - وقد أثبتنا أن جميع الأمم كان لها أنبياؤها - قد وعدوا المؤمنين من أممهم بهذا الاختيار ذاته، وقدموا إليهم هذا العزاء نفسه. وعلى ذلك، فإن هذا الميثاق الأزلي لمعرفة الله وحبه هو ميثاق شامل، كما يتضح تماما في صفنيا (3: 10-11).
54
وهكذا، يجب ألا نفرق مطلقا في هذه الناحية بين اليهود وغيرهم، وليس ثمة اختيار يختص به اليهود سوى هذا الذي عرضناه الآن. وإذا كان الأنبياء يمزجون هذا الاختيار القائم على الفضيلة الحقة وحدها بكلمات تشير إلى القرابين والشعائر الأخرى عن إعادة بناء «المعبد» و«المدينة»، فما ذلك إلا لأنهم أرادوا - كيف تقضي عادة النبوة وطبيعتها - أن يفسروا الأمور الروحية بنماذج حسية من شأنها أن تبين في الوقت نفسه لليهود الذين أتاهم هؤلاء الأنبياء أن إعادة بناء الدولة والمعبد كان يجب توقعه في عهد قورش.
55
Página desconocida