خامسًا: أن المقت الذي يتوقعه الراوي إذا ظهر كذبه أو تساهله أشدُّ من المقت الذي يتوقعه الشاهد؛ لأن قولهم: "كذب على النبي ﵌ " أفحشُ وأغلظ من قولهم: "شهد زورًا".
ولأن كذب الشاهد إن ظهر قد لا يطلع عليه إلا القاضي وبعض من حضر، وكذب الراوي إذا ظهر يتناقله أهل العلم، ويكتبون به إلى البلدان، ويخلِّدونه في الكتب.
الوجه الثالث: أن الله ﵎ تكفَّل بحفظ الدين.
قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]. والذكر يتناول السنة، إن لم يكن بلفظه فبمعناه؛ لأن المقصود من حفظ القرآن هو أن تبقى الحجة قائمة، بحيث ينالها من طلبها إلى يوم القيامة؛ لأن الله تعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه، ولذلك بعث الأنبياء، وأنزل الكتب، وجعل محمدًا ﵌ خاتم الأنبياء، فلا بد أن تُحفظ شريعته إلى يوم القيامة.
وقد قيل لابن المبارك (^١): هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
وقال الله ﷿: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٧ - ١٩]. فالبيان الذي تكفَّل الله تعالى به يعمُّ البيانَ للنبي ﵌ بأن يُفهِمه ما يَغمُض من معاني القرآن بإلهام أو وحي، والبيانَ للناس بلسانه ﵌، وتلك السنة.