ـ[رجال الحاكم في المستدرك]ـ
المؤلف: مُقْبلُ بنُ هَادِي بنِ مُقْبِلِ بنِ قَائِدَةَ الهَمْدَاني الوادعِيُّ (المتوفى: ١٤٢٢هـ)
الناشر: مكتبة صنعاء الأثرية
الطبعة: الثانية، ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
Página desconocida
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله القائل في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
والصلاة والسلام على نبينا محمد المنزل عليه: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾
والآمر لأبي ذر أن يقول الحق ولو كان مرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن علم الجرح والتعديل يعتبر عماد علم الحديث، وقد أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على شرعيته.
وأنكره المبتدعة منذ قام أهل السنة ﵏ بذلك، حتى قال بكر بن حماد كما في " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر قال:
ولابن معين في الرجال مقالة ... سيسأل عنها والمليك شهيد
فإن يك حقا فهي في الحكم غيبة ... وإن يك زورا فالوعيد شديد
1 / 3
وقد رد أهل العلم على بكر بن حماد شعرا ونثرا.
والمبتدعة سابقهم ولاحقهم يخافون من علم الجرح والتعديل وينفرون عنه لأنهم يعلمون أنهم مجروحون.
أما الأدلة على شرعية الجرح والتعديل فإني قد أشبعت الموضوع في " الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين " وذكرت نبذة طيبة في مقدمة " المخرج من الفتنة " طبعة ثالثة.
وكذا في مقدمة (كلام أهل العلم على حديث السحر).
وكذا أم عبد الله الوادعية في كتابها " العلم والعلماء " الذي لا أعلم له نظيرا في موضوعه يسر الله طبعه.
فعلى هذا فقد رأيت أن أقتصر على ما كتبته هنالك. والحمد لله رب العالمين.
1 / 4
فوائد حول الحاكم والمستدرك
لم يقع للحاكم ﵀ خلل في الأحاديث ولكن في أحكامه عليها
قال المعلمي ﵀ في " التنكيل " (ص ٦٩٢):
الخامس: أنه شرع في تأليف " المستدرك " بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه، وكان فيما يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع " المستدرك " وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام " المستدرك "، وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أو نحو ذلك، وقد رأيت له في " المستدرك " عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم، مثلا، مع أن مسلما إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمه باسمه، ويقول في الرجل: فلان الواقع في السند هو فلان بن فلان والصواب أنه غيره، لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته؛ لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه فكل حديث في " المستدرك " فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلانا المذكور فيه صحابي، أو أنه فلان بن فلان ونحو ذلك، فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل.
هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ " المستدرك " فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم، وبهذا يتبين أن التشبث بما وقع له في " المستدرك " وبكلامهم فيه لأجله إن كان لإيجاب
1 / 5
التروي في أحكامه التي في " المستدرك " فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته أو في أحكامه في غير " المستدرك " في الجرح والتعديل ونحوه فلا وجه لذلك، بل حاله في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر كما يقع لغيره، والحكم في ذلك إطراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه. وقبول ما عداه والله الموفق. اهـ.
الثانية: قد أنقل من ثقات ابن حبان ﵀ ولا أجد للراوي توثيقا ولا تجريحا، وقد علم أن ابن حبان ﵀ يوثق المجهولين.
قال الحافظ ابن حجر ﵀ في مقدمة " لسان الميزان " (ص ١٤):
فصل: قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلا مقبول الرواية إذ الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، هذا حكم المشاهير من الرواة. فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها.
قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهل عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب " الثقات " الذي ألفه، فإنه يذكر خلقا ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون وكأن عند ابن حبان جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره.
وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال: [العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم].
1 / 6
وقال في ضابط الحديث الذي يحتج به: إذا تعرى راويه من أن يكون مجروحا أو فوقه مجروح أو دونه مجروح أو كان سنده مرسلا أو منقطعا أو كان المتن منكرا، هكذا نقله الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي في " الصارم المنكي " من تصنيفه، وقد تصرف في عبارة ابن حبان لكنه أتى بمقصده وسياق بعض كلامه في أيوب آخر مذكور في حرف الألف. اهـ.
وقال ابن عبد الهادي ﵀ (ص ١٠٣):
وقوله - أي السبكي -: إن هارون بن قزعة ذكره ابن حبان في " الثقات "، ليس فيه ما يقتضي صحة الحديث الذي رواه ولا قوته، وقد علم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددا كثيرا وخلقا عظيما من المجهولين الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب، فقال في الطبقة الثالثة: سهل يروي عن شداد بن الهاد روى عنه يعقوب ولست أعرفه، على أنه لا يعرفه.
وقال أيضا: حنظلة شيخ يروي المراسيل لا أدري من هو، روى ابن المبارك عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه وهكذا ذكره لم يزد.
وقال أيضا: الحسن أبو عبد الله شيخ يروي المراسيل، روى عنه أيوب النجار لا أدري من هو ولا ابن من هو.
وقال أيضا: جميل شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة روى عنه عبد الله بن عون، لا أدري من هو ولا ابن من هو.
وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقا كثيرا من هذا النمط، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه يحرج وإن كان مجهولا، لم يعرف
1 / 7
حاله، وينبغي أن يتنبه لهذا، ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق، على أن ابن حبان قد اشترط في الاحتجاج بخبر من يذكره في هذا الكتاب شروطا ليست موجودة في هذا الخبر الذي رواه هارون، فقال في أثناء كلامه: والعدل: من لم يعرف منه الجرح، إذ الجرح ضد التعديل، فمن لم يعرف بجرح فهو عدل حتى يتبين ضده إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم.
هذه طريقة ابن حبان في التفريق يبن العدل وغيره، وقد وافقه عليها بعضهم وخالفه الأكثرون وليس المقصود هنا تحرير الكلام على هذا، وإنما المراد التنبيه على اصطلاح ابن حبان وطريقته.
قال: فكل من أذكر في الكتاب فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى عن خصال خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن ذكرته في كتابي هذا، فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال: إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره، أو يكون دونه رجل واه لا يحتج بخبره، أو الخبر يكون مرسلا لا يلزمنا به الحجة، أو يكون منقطعا لا تقوم بمثله الحجة، أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبيّن سماعه في الخبر الذي سمعه منه. اهـ.
تنبيه مهم:
تساهل ابن حبان ﵀ هو في توثيق المجهولين، وأما في التجريح فشديد التجريح حتى إنه يقول في بعض رجال الشيخين: يروي المعضلات عن الأثبات فاستحق الترك.
1 / 8
فائدة
في عصر الدارقطني والحاكم والبيهقي تساهل المحدثون في شروط قبول الحديث
قال العراقي ﵀ في " ألفيته " (ج ٢ ص ١٠٦) مع " فتح المغيث ":
وأعرضوا في هذه الدهور ... عن اجتماع هذه الأمور
لعسرها بل يكتفي بالعاقل
\٢٠٦ المسلم البالغ غير الفاعل
\٢٠٦ للفسق ظاهرا وفي الضبط بأن
\٢٠٦ يثبت ما روى بخط مؤتمن
\٢٠٦ وأنه يروي من أصل وافقا
\٢٠٦ لأصل شيخه كما قد سبقا
\٢٠٦ لنحو ذاك البيهقي فلقد
\٢٠٦ آل السماع لتسلسل السند
الثالث عشر في عدم مراعاة ما تقدم في الأزمان المتأخرة (وأعرضوا) أي المحدثون فضلا عن غيرهم (في هذه الدهور) المتأخرة (عن) اعتبار (اجتماع هذه الأمور) التي شرحت فيما مضى في الراوي وضبطه، فلم يتقيدوا بها في عملهم (لعسرها) أو تعذر الوفاء بها (بل) استقر الحال بينهم على اعتبار بعضها وأنه (يكتفي) في الرواية (بالعاقل المسلم البالغ غير الفاعل للفسق) وما يخرم المروءة (ظاهرا) بحيث يكون مستور الحال (و) يكتفي (في الضبط بأن يثبت ما روى بخط) ثقة (مؤتمن) سواء الشيخ أو القارئ أو بعض السامعين كتب على الأصل أو في ثبت بيده إذا كان الكاتب من أهل الخبرة بهذا الشأن بحيث لا يكون الاعتماد في رواية هذا الراوي عليه، بل على الثقة المفيد لذلك (وأنه يروي) حين يحدث (من أصل) بنقل الهمزة (وافقا لأصل شيخه كما قد سبقا لنحو ذلك)
1 / 9
الحافظ الكبير (البيهقي) فإنه لما ذكر توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث، قال: فمن جاء اليوم بحديث واحد لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه أي لأنه لا يجوز أن يذهب على جميعهم، ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة برواية غيره.
وحينئذ (فلقد آل السماع) الآن (لتسلسل السند) أي بقاء سلسلته بحدثنا وأخبرنا، لتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني الذي لم يقع التبديل في الأمم الماضية إلا بانقطاعه.
قلت: والحاصل أنه لم كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح، وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان؛ ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشدد بمجموع تلك الصفات، ولما كان الغرض آخرا الاقتصار في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بما ترى.
ولكن ذلك بالنظر إلى الغالب في الموضوعين، وإلا فقد يوجد في كل منهما نمط الآخر، وإن كان التساهل إلى هذا الحد في المتقدمين قليلا.
وقد سبق البيهقي إلى قوله شيخ الحاكم ونحوه عن السلفي، وهو الذي استقر عليه العمل بل حصل التوسع فيه أيضا إلى ما وراء هذا، كقراءة غير الماهر في غير أصل مقابل بحيث كان ذلك وسيلة لإنكار غير واحد من المحدثين فضلا عن غيرهم عليهم. اهـ.
1 / 10
وفي " تنقيح الأنظار " لابن الوزير و" توضيح الأفكار " لابن الأمير رحمهما الله (ج ٢ ص ٢٥٩):
المسألة الخامسة: قال زين الدين ما معناه: أعرض الناس في هذه العصور المتأخرة عن (اعتبار مجموع هذه الشروط) التي شرحت فيما مضى في الراوي وضبطه فلم يتقيدوا بها في عملهم (لعسرها وتعذر الوفاء بها) بل استقر عندهم العمل على اعتبار بعضها كما أشار إليه بقوله (فيكتفي في أهلية الشيخ كونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق وما يخرم المروءة) زاد الزين ظاهرا والمراد بكونه مستور الحال فهذا في العدالة (ويكتفى في اشتراط ضبط الراوي بوجود سماعه مثبتا بخط ثقة غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه، وقد سبق إلى نحو ذلك) أي ما قاله الزين الحافظ الكبير أبو بكر (البيهقي لما ذكر توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة من (أصل سماعهم وذلك) أي وجه الاكتفاء بما ذكر وكأنه نقل كلام البيهقي بمعناه وعبارة ابن الصلاح بلفظ: ووجه ذلك يعني البيهقي بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث، ولا يجوز أن يذهب على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها (لتدوين الحديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث) قال البيهقي: (فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم) أي الأئمة الجامعين للأحاديث التي عرفت عندهم (لم تقبل منه) لأنه يبعد أن لا يأتي أحد من الأئمة في كتبهم (ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه) حال كونه (لا ينفرد بروايته) بل رواه غيره (فالحجة قائمة بحديثه من رواية غيرها) فإن قيل: فما فائدة
1 / 11
السماع منه؟ فجوابه قوله: (والقصد بروايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة) وهي سلسلة الإسناد بلفظ التحديث والإخبار (التي خصت بها هذه الأمة فإنه لم يكن ذلك في الأمم الماضية شرفا) خبر لـ "تبقى" على أنه فعل ناقص على قول أو مفعول له أو حال من الكرامة (لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تبقى أخباره على هذه الطريقة التي لا انقطاع فيها.
قلت: ولا يعزب عن ذهنك أن المصنف قد سرد في آخر بحث المرسل هذه الفائدة وزاد عليها فائدتين فتذكر (وكذا الاعتماد في روايتهم على الثقة المفيد لهم لا عليهم).
والحاصل أنه لما كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشديد بمجموع تلك الصفات، ولما كان الغرض آخرا هو الاقتصار في التحصيل على مجرد السلسلة السندية اكتفوا بما مر ذكره وتقريره (وهذا كله توصل من الحفاظ إلى حفظ الأسانيد، إذ ليسوا من شرط الصحيح إلا على وجه المتابعة، فلولا رخصة العلماء لما جازت الكتابة عنهم) لأنهم ليسوا على شرط من يكتب حديثه (ولا) جازت (الرواية إلا عن قوم منهم) انتهى كلام الحافظ البيهقي.
(قال زين الدين: وهذا هو الذي استقر عليه العمل، قال الذهبي في مقدمة كتابه " الميزان ": العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين قال: ثم من المعلوم أنه لا بد من صون المروي وستره) أي صائنا لعرضه ساترا لنفسه عن الأدناس وما يعيبه عليه الأكياس من الناس، كذا فسره البقاعي
1 / 12
ويظهر لي أنه أراد صونه لكتاب سماعه بدليل قوله المروي وستره له عمن يغيره ويفسده. والله أعلم.
واعلم أنه ذكر هذا في "الميزان" علة لقوله: وكذلك من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه أو على التوقف منه واتضح أمره من الرواة والعمدة إلى آخره.
ثم قال: والحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين هو رأس الثلاثمائة ولو فتحت على نفسي تليين هذا الباب لما سلم مني إلا القليل، إذ الأكثر لا يدرون ما يروون ولا يعرفون هذا الشأن إنما سمعوا في الصغر واحتيج إلى علو سندهم في الكبر.
فالعمدة على من قرأ لهم وعلى من أثبت صفات السماع لهم. انتهى.
1 / 13
تساهل الحاكم
قال السيوطي ﵀ في " تدريب الراوي " (ج ١ ص ١٣٢):
قال شيخ الإسلام: وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سود الكتاب لينقحه فأعجلته المنية.
قال: وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من " المستدرك " إلى هنا انتهى إملاء الحاكم، ثم قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة فمن أكبر أصحابه وأكثر الناس ملازمة البيهقي وهو إذا ساق عنه في المملى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة، قال: والتساهل في القدر المملى قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده.
أقول: كلام الحافظ يفيد أنه لم يمل من " المستدرك " إلا قدر الربع، والواقع أنه أكثر من النصف فقد ذكر الحاكم (ج ٣ ص ٢٣٦ - ح ٤٩٥٨) من تجزئة أربعة في ترجمة حمزة بن عبد المطلب فقال: هذه أحاديثه تركتها في الإملاء.
ثم ذكر الإملاء (ص ٩٩) قال في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة.
وفي (ص ٢٥١) الإخبار بدون إملاء فلعله قطع الإملاء من ههنا إلى آخر الكتاب.
تنبيه:
قد يذكر الحافظ الذهبي ﵀ بعض المحدثين الصوفية ويثني عليهم ويصفهم بأوصاف ضخمة، فأنقل كلامه كما هو غير مقتنع به، فإن التصوف مبتدع، ولقد أحسن الإمام الشافعي إذ يقول: لو أن رجلا
1 / 14
تصوف في أول النهار لما جاء آخره إلا وهو أبله. أو بهذا المعنى، ذكره ابن الجوزي في مقدمة " صفة الصفوة ".
وقال مروان بن محمد الطاطري: ثلاثة لا يؤتمنون: الصوفي، والقصاص، ومبتدع يرد على المبتدعة. ذكره عنه القاضي عياض في " ترتيب المدارك " في ترجمة مروان بن محمد.
فالحافظ الذهبي ﵀ يطلق العبارات الضخمة على المبتدعة وإليك مثال على ذلك، في " السير " (ج ١١ ص ٥٤٦) يثني على الجاحظ وهو عمرو بن بحر فيقول: العلامة المتبحر ذو الفنون!
وفي " لسان الميزان " للحافظ ابن حجر ما يدل على كفره، فمثل هذا ما يعظم ولا كرامة. وهكذا الصوفية المبتدعة لا يستحقون التعظيم وإن كانوا بين مستقل في البدع ومستكثر.
هذا وقد اقتصرت في الغالب على عبارات الحافظ الذهبي في أول الترجمة لأمرين:
الأول: الرغبة في الاختصار.
الثاني: أني لا أجد في بعضهم توثيقا للمتقدمين، وقد تقدم أنهم يتساهلون بعد عصر التدوين.
1 / 15
رجال المستدرك
البحث في رجال " المستدرك " متعب خصوصا مشايخ الحاكم ومشايخ مشايخه، وما أكثر الباحثين الذين يتهربون من الكلام على مشايخ الحاكم ومشايخ مشايخه، وقد كنت في تتبعي لما سكت عليه الذهبي وفيه كلام أنظر أعلى السند، وأهاب البحث في أسفله، ثم رأيت أن لا بد من التعرف عليهم، ولا يكون ذلك إلا بالترجمة لهم، فاستعنت بالله ويسر الله وله الحمد والمنة والفضل مع ما حصل من التعب والمشقة.
منها: التصحيفات، فقد أتعبتني وكنت أرجع إلى تراجم مشايخه والرواة عنه، وأبحث عنه في موضع آخر من " المستدرك "، وفي كتب البيهقي و" معجم الطبراني الكبير " فأقف على الحقيقة بعد مشقة.
ومنها: أوهام الحاكم، فإن له أوهاما في الرجال كما حصلت له أوهام على الأحاديث، فذلكم الحافظ عبد الغني بن سعيد يذكر له أوهاما في الرجال في كتابه " المدخل " نحو خمسة وخمسين وهما.
ومنها: النسبة إلى جد أعلى، فأحتاج إلى كثرة المراجعة في " المستدرك " لعله يذكره في مكان آخر على ما هو عليه، وكذا المراجعة في كتب الرجال لعله يذكره على ما هو عليه.
ومنها: قلة المراجع، فلم يتيسر " مختصر تاريخ نيسابور ".
وهناك أشياء تشتبه عليّ فأكتبها على الاحتياط، وأترك بياضا حتى ييسر الله بترجمة ذلك الراوي أو يعرف أنه الذي ترجمت له.
ومنها: الاختلاف في النسبة فتارة يقول: فلان المؤذن، وأخرى
1 / 16
المقرئ، وهو واحد مؤذن ومقرئ. على أنني أحمد الله فقد عثرت أنا وإخواني في الله الذين ساعدوني على أسماء كثيرة، قال كثير من الباحثين الذين سبقونا: إنهم لم يجدوها. والفضل في هذا لله وحده.
من فوائد تراجم رجال الحاكم الذين لم يترجموا في " تهذيب التهذيب "
لا تحسبن أن فائدة ذلك مقصورة على رجال الحاكم، فابن حبان والدارقطني هما من شيوخ الحاكم، والطبراني وابن عدي والطبري من شيوخ شيوخه، فمعنى هذا أنك تجد غالب رجال هؤلاء في رجال الحاكم، والبيهقي وأبو عثمان الصابوني من تلاميذ الحاكم وأبو نعيم أحمد بن عبد الله صاحب " الحلية "، ومحمد بن إسحاق بن منده من معاصريه، وابن عبد البر والخطيب ليس بينهما وبين الحاكم إلا راو واحد، فالخطيب يروي في " التاريخ " عن شيخه عن الحاكم.
ولو شئت لقلت: إن كثيرا من نقاد الحديث وجهابذته من بعد أصحاب الأمهات الست إلى الحاكم قد احتوى عليهم هذا الكتاب الذي وضع لتراجم رجال الحاكم الذين لم يترجموا في تهذيب التهذيب.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
1 / 17
ترتيب الأسماء والكنى
رتبت بحمد الله على ترتيب " تقريب التهذيب " فإنه الذي قد ألفه الباحثون، إلا عبد الله وعبد الرحمن فإني أقدمهما للحديث الذي رواه مسلم ﵀ (ج ٣ ص ١٦٨٢) بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي: حدثني إبراهيم بن زياد وهو الملقب بسبلان، أخبرنا عباد بن عباد، عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله سمعه منهما سنة أربع وأربعين ومائة يحدثان عن نافع عن ابن عمر قال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ".
وهكذا لم أقدم في حرف الميم المحمدين وحديث: " أحب الأسماء إلى الله ما حمد أو عبد " موضوع، فلذلك قدمنا الألف بعد الميم ومشينا على ترتيب الأحرف، والحمد لله.
1 / 18
رواة المستدرك عن الحاكم
(١): الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي.
قال الذهبي ﵀ في " السير " في ترجمة البيهقي (ج ١٨ ص ١٤٦) وسمع من الحاكم أبي عبد الله فأكثر جدا وتخرج به.
وقال في ترجمة البيهقي ﵀ (ص ١٦٥): بلى عنده عن الحاكم وقر بعير أو نحو ذلك.
قال أبو عبد الرحمن: البيهقي ﵀ قد أكثر عن الحاكم فإنك إذا نظرت في كتابه " السنن الكبرى " و" معرفة السنن والآثار " و" دلائل النبوة " و" البعث والنشور " و" الدعوات "، و" الزهد "، و" فضائل الأعمال "، و" شعب الإيمان "، و" المدخل إلى السنن "، فإنك قل أن تجد ورقة إلا وفيها: حدثنا أبو عبد الله الحافظ وكل كتبه الحديثية كذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر ﵀ أن البيهقي من أخص الناس بالحاكم رحمهما الله.
وقال ابن قاضي شهبة في ترجمة الحاكم من " طبقات الشافعية ": أخذ عنه أبو بكر البيهقي فأكثر عنه، وبكتبه تفقه وتخرج، ومن بحره استمد وعلى منواله مشى.
(٢): أحمد بن علي بن خلف الشيرازي.
قال صالح بن محمد الفلاني في كتابه " قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر ":
" المستدرك " للحاكم وأما المستدرك للحاكم فأرويه بالسند إلى الشيخ
1 / 19
إبراهيم الكوراني، عن صفي الدين أحمد بن محمد المدني، عن شيخ الرملي، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، عن عز الدين عبد الرحيم بن الفرات، عن محمود بن خليفة، عن شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، عن علي بن الحسين المعروف ابن المقير، عن أحمد بن طاهر، عن أبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري.
وبهذا السند أروي جميع مصنفات كـ " معرفة علوم الحديث " و" المدخل إلى علم المصطلح " وكتاب " الإكليل " و" عوالي مالك ". اهـ.
ترجمة أحمد بن علي الشيرازي الراوي عن الحاكم:
قال الصفدي ﵀ في " الوافي بالوفيات ":
أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف أبو بكر الشيرازي، ثم النيسابوري، الأديب العلامة مسند نيسابور في وقته، أكثر عن الحاكم أبي عبد الله، توفي سنة سبع وثمانين وأربعمائة. اهـ.
وله ترجمة في " السير " (ج ١٨ ص ٤٧٨).
وفي " المنتخب من السياق " (ص ١١٠ و١١١) وفيه: زجى عمره واستتم أمره وانفرد بالرواية في آخر عمره عن أكثر مشايخه من غير مشاركة للبركة في عمره وفي روايته حتى ختم بموته حديث الحاكم أبي عبد الله والمهلبي وابن فورك.
(٣): وفي " المستدرك " (ج ٣ ص ٦١٦) أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن شاذان الجوهري ﵀ بقراءتي عليه سنة تسع وأربعين وأربعمائة قال: أنبأني الحاكم أبو عبد الله محمد بن حمدويه الحافظ ﵁ قال .... وذكر بابا ثم ذكر أحاديث بعده.
1 / 20
ترجمته من " المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور " (ص ٤٥) قال أبو الحسن عبد الغفار بن إسماعيل بن عبد الغفار بن محمد الفارسي الحافظ ﵀: محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن شاذان الحيري أبو بكر الحافظ السفياني معروف ثقة حافظ من أصحاب الحاكم أبي عبد الله الحافظ، سمع الكثير وصنف وحدث وكان مؤدب والدي، جمع مصنفات الحاكم وسمعها وحدث عن غيره، وكان من العباد والزهاد.
توفي في رجب سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، ودفن بشط الوادي أنبأنا عنه والدي.
* تنبيه:
قد أصلحنا بحمد الله كثيرا من الأخطاء، وبقي أمران لم ننبه عليهما لكثرتهما:
الأول: ربما ترى في وسط السند: حدثنا فلان فيظن الباحث أنه شيخ الذي قبله، وهذا هو المعهود ولكن مع الممارسة علم أنه شيخ الحاكم وأنه قد حول السند بدون (ح) وهذا يعرف بمعرفة شيوخ الحاكم.
الثاني: يقول الحاكم أو شيخه أو غيرهما: حدثنا فلان بهمدان، بالدال المهملة وهو تصحيف والصواب: بالذال المعجمة. وهي بلدة بالعراق كما في " معجم البلدان " وغيره.
وأما بالدال المهملة فالمراد به القبيلة المعروفة باليمن.
ومثل هذا علي بن حمشاذ فربما يذكر بالدال المهملة وهو بالذال المعجمة.
فتنبه لهذا وفقك الله.
1 / 21