وكان الجزء الثالث يشتمل على المراثي الشعرية والنثرية التي قيلت فيه إلى ما بعد حفلة الأربعين، ومعها بعض كلمات المقدرين والمؤمنين من أبناء البلاد الشرقية والغربية.
ولم تكن «ميزانية» الكتب يومئذ تسمح لي بشراء جزأين كبيرين في وقت واحد! فاخترت أن أبدأ بالجزء الثاني، وأرجئ شراء الجزء الثالث بضعة أسابيع.
ولقيت عاملا على السلم فأخبرته بما أطلب، فلم يبد مانعا، وذهب ليجيئني بالجزء الذي طلبته، وعاد به وأنا في حضرة الشيخ «رشيد»، وتناولت الجزء وأخرجت الثمن - فسأل الشيخ «رشيد»: «ما هذا؟»
ثم قال: «إن الجزأين لا يباعان على انفراد.»
ولا أخفي على القارئ أنني حين سمعته يسأل: ما هذا؟ خطر لي أنه سيعفيني من الثمن، بعد أن تناول الحديث بيني وبينه سيرة الأستاذ الإمام، ولمحت منه الرضا عن رأيي في خصومه وناقديه.
فلما فهمت مرمى سؤاله شعرت بخيبة أمل، وازداد شعوري هذا حين أصر على بيع الجزأين، مع توكيدي له بأنني سأعود بعد فترة لشراء الجزء الأخير.
ثم تأخر صدور الجزء الأول أكثر من عشرين سنة، وهو الجزء الذي يحتاج من المؤلف إلى عناء ومراجعة وتحضير، فهيأت تلك المساومة نفسي لاعتقاد خاطئ في حق الرجل، ووقع عندي أنه بادر إلى إصدار الجزأين لما في هذه المبادرة من كسب لا يجشمه شيئا من الكلفة والمشقة، وأنه أخر الجزء الأول لما يتجشمه فيه من التعب، وما يلقاه في سبيله من الخصومات.
ولكن الجزء الأول صدر بعد طول التأخير، وظهر من وقائعه وأخباره أن الشيخ «رشيد» كان موفور العذر في إرجاء صدوره، لأنه لم يكن يستطيع نشره في عهد عباس الثاني ولا في إبان الحرب العالمية، فانتظر حتى زالت المحظورات التي حالت دون إصداره طوال تلك السنين.
ولقيت الرجل مرة أخرى مع اللجنة التي تألفت للاحتفال بعيد المقتطف الذهبي، وكان الدكتور «فارس نمر باشا» قد دعانا إلى حفلة شاي في داره؛ للإعراب عن شكره للجنة الاحتفال وشكر زميله العلامة «يعقوب صروف».
وجلست مع «سعيد شقير باشا» والشيخ «رشيد».
Página desconocida