أخرق الدف إن رأيت شكيبا
وأفض الأذكار حتى يغيبا
فاسألوا سبحتي فهل كان تسبي
حي فيها إلا شكيبا شكيبا
فذهبت مساعي من رشحوه ذلك اللقب الفخم بعد اقترابها من النجاح.
أما عام «الكفر» فلم يكن له شأن هذين العامين من أقلام الأدباء، ولم يهتم به صاحب «المؤيد» كثيرا؛ لأنه آثر أن ينتظر للخلاص من مزاحمة مصطفى كامل مناسبة أخرى، وتلك هي مناسبة إغلاق الصحف التي كان مصطفى كامل يصدرها باللغات الأجنبية، وهي التي كان علي يوسف يخشى أن تجعل مصطفى كامل لسان حال للأمير في الصحافة الأجنبية ولم يكن يخشى مزاحمته في الصحافة العربية؛ لأن مصطفى كامل نفسه كان ينوي أن يقطع صلته الصحفية بالقصر، حتى كتب خطابه الصريح إلى الخديو عباس يبلغه فيه أنه سيبتعد عن كل صلة بالحاشية الخديوية؛ صيانة لمقام الأمير من تهديد المحتلين إياه من جراء تلك الصلة، وهذه هي الفعلة التي استكثرها بعض المتملقين على صحفي يخاطب أميره، فحملوا عليها بعنوان «عام الكفر»، وأسكتها الناصحون بإيعاز من الأمير.
على أن صحيفة المويلحيين لم تصبح لسانا سياسيا للقصر، ولكنها أصبحت لسانا للحركة الأدبية مسموع القول في نقد الكتابة والشعر وفي الموازنة بين الكتاب والشعراء، وكان قولها في ذلك منتظرا مرموقا في أندية الأدب والثقافة، ومنها أندية القصر نفسه وأندية المعارضين لسياسته ومؤامراته. وكانت خطتها العامة - فيما عدا فترات القلق الزئبقي التي اشتهر بها المويلحي الكبير على الخصوص - أن ترجح كفة حافظ إبراهيم على منافسيه، فلم يكن من اليسير أن تساق إلى خطة الزراية به وتهوين شأنه ونكران فضله، ولكن «مصباح الشرق» كانت تنافسها، وتحاكيها «صحيفة» أخرى على أسلوبها، هي صحيفة «الصاعقة» الأسبوعية، وصاحبها أحمد فؤاد تلميذ المويلحي، يواليه يوما ويكيد له أياما، على حسب الطلب والجزاء. وفي الصاعقة كانت تنشر الحملات التي يأباها «مصباح الشرق» ويترفع عن قبولها أو مجاراة طلابها، ولا سيما الحملة على حافظ، ومحاولة الإيقاع بينه وبين نصيره الأكبر الأستاذ الإمام، وقد أملى على صاحبها أن ينكر على حافظ قدرته على الشعر والنثر معا ولو كان من النثر المترجم؛ فلا يصلح بطبيعة الحال لولاية الديوان العربي ومعه ديوان الترجمة، فجاء في مقال نشرته بعد صدور الجزء الأول من ترجمته ل «البؤساء»:
إنا لنبدأ بأولهم؛ ذلك المعجب بنفسه الذي عرضه الغرور للاستهزاء، وهو حافظ إبراهيم، ولما كان معدوما من مزية تمييز الصحيح من الفاسد والخطأ من الصواب والجيد من الرديء، وكان مجبولا على الإعجاب بنفسه؛ ظن فاسده صحيحا وخطأه صوابا ورديئه جيدا فيما جمعه في البؤساء من خليط كلام الغابرين.
إلى قول الكاتب:
ولقائل أن يقول: لو أن الكتاب كذلك، فلم قرظه المفتي؟ فنجيب المعترض بأن فضيلة المفتي من العلماء الأعلام، وعنده من الاشتغال بأمور الإسلام ما يشغله عن قراءة مثل هذه الترهات. ولكن جبرا لكسره، وتخلصا من إلحاح حافظ، وفرارا من تحمل غصص رؤيته والاجتماع به؛ قال ما قال، وعلم الله أن فضيلة الأستاذ تأذى كثيرا من تقريظ البؤساء.
Página desconocida