في الحلم كنت أطير بغير طائرة، يرتفع جسمي في الجو، وأحلق فوق أسطح البيوت وقمم الأشجار والبحار، ثم فجأة يهوي جسدي إلى الأرض ويغوص في جوف البحر.
وتقول جدتي: الطيران في الحلم نجاح وسوف تتزوجين من أمير أو ابن ملك.
وأصيح في وجهها: أنا أكره الملك وأكره الزواج.
وتشوح بيدها في غضب: مجنونة مثل أمك.
وكانت أمي تكره الملك فاروق، لكن جدتي لم تكره إلا الإنجليز وتغني مع الراديو:
ملك البلاد يا زين يا فاروق يا نور العين.
لا زلت أسمع صوت حذائي الأسود الجديد يدب على أرض المطار كأنه بالأمس. مر عشرون عاما منذ وقعت عيناي لأول مرة على طائرة فوق الأرض. رأيتها أضخم مما تصورت، وكنت أراها في الجو صغيرة بحجم طائرة أخي ذات الزمبلك.
وقفت في الصف ومن أمامي وخلفي أعداد من النساء والرجال الأجانب، في يديهم حقائب جلدية ثمينة، وعلى سواعدهم معاطف صوفية. رءوسهم مرفوعة، وظهورهم عضلاتها مشدودة، وقامتهم طويلة.
رفعت رأسي وشددت عضلات ظهري، قامتي طويلة مثل قامة الرجال منهم، ونساؤهم أقل مني قامة، بشرتهم بيضاء كالطباشير وعيونهم كالدوائر الصفراء والأفواه كالخطوط بلا شفاه، تتحرك بسرعة وهم يتكلمون كالأوتار المشدودة أو الكرابيج.
في مرآة دورة المياه رأيتني أرتدي بالطو مطر أسود اشتريته من «عمر أفندي» بعد أن حصلت على تأشيرة الخروج من مكتب الجوازات في ميدان التحرير. وفي يدي حقيبة جديدة سوداء لها يد طويلة أعلقها على كتفي، في جرابها الخارجي تطل أطراف جواز السفر الأخضر، والتذكرة الطويلة الحمراء، وبطاقة التطعيم الصفراء المربعة. ومن النافذة الزجاجية العريضة ألمح الطائرات راقدة على أرض المطار كالطيور القانصة الضخمة، حيوانات خرافية من الزواحف.
Página desconocida