كانت الساعة الحادية عشرة والنصف حين خلعت ملابسي لأرتدي قميص النوم، وفجأة أحسست بالآلام، هل هي آلام الولادة؟!
كنت وحدي تماما، وتلفت حولي في حيرة ثم جلست على طرف السرير، هدأت الآلام فترة ثم عادت بسرعة، وأدركت أنها الولادة، التليفون على المنضدة إلى جوار السرير، هل أطلب ماريون؟ لكننا قضينا يوما طويلا مرهقا، وهي بحاجة إلى النوم، ونحن في منتصف الليل ولا يمكن أن أطلب أحدا في مثل تلك الساعة وإن كانت أمي.
مستشفى «سلون» على بعد عشر دقائق من بيتي سيرا على الأقدام، ارتديت المعطف الصوفي السميك ودسست ملابس الطفل الجديد في الحقيبة وخرجت إلى الشارع.
كان الهواء باردا كالصقيع، والظلمة حالكة، والشارع خال من البشر، سرت بخطوات سريعة ثم بدأت أجري، أطرافي مثلجة، ترتجف بالبرد والخوف معا، شبح طويل أسود يتبعني، وكعب حذائه يدب على الأرض، توقفت لحظة ثم استدرت خلفي. لم يكن هناك أحد، ثم أدركت أنه ليس إلا ظلي فوق الأرض، وقدماي تدبان على الأسفلت القدم وراء القدم، ثم توقف الدبيب لحظة، ألم حاد في العمود الفقري أوقفني عن السير، وجسمي يتراخى وينثني نحو الأرض، هل أجلس على الرصيف؟ وإذا جلست فهل يمكن أن يولد الطفل في الطريق؟
أنوار المستشفى تلوح لي من بعيد أبعد مما هي. وقد لا أصلها أبدا.
وشددت عضلات ظهري بقوة وقلت لنفسي: سأكمل الطريق ولن أتوقف إلا بعد أن أدخل المستشفى، ولا أدري كيف عادت قدماي تدبان فوق الأرض، وكيف قطعت المسافة الباقية بتلك الخطوات المتعاقبة المنتظمة القوية، لكن إرادة عجيبة من نوع غريب كالعضو الجديد ينبت في الجسد فجأة، أو الجسد الجديد يحل بالجسد القديم، وساقان جديدان تحملان جسمي بسرعة وخفة، وإلى جواري أرى ظل جسمي يصاحبني بالحركة ذاتها، النشاط يبدد السكون الموحش ويؤنسني في الظلمة كالرفيق.
وما إن وصلت المستشفى حتى اختفت هذه الطاقة الطارئة أو الجسد الجديد. لا أدري كيف اختفى، لكني أحسست بجسدي القديم يظهر فجأة ثم يتهاوى ويسقط على أقرب مقعد، ولم أتحرك بعد ذلك إلا فوق نقالة، دفعتها الممرضة أمامها بكلتا يديها حتى غرفة الولادة، وملأتني رائحة اليود والأتير واللون الأبيض للجدران وملابس الممرضات بالراحة العميقة كالبهجة.
ورأيت وجه الدكتور «تود» أمامي. كان يبتسم ويقول لي: إنني سأضع طفلا جميلا، وحاول أن يضع قناع التخدير فوق وجهي، لكني رفضت وصممت على أن ألد طفلي وأنا في كامل الوعي، كنت أعرف أنهم يأخذون المولود بعد الوضع مباشرة، ويضعونه في الغرفة الزجاجية حيث عشرات المواليد الآخرين.
واستولى علي شعور مفزع: أن طفلي اختلط بالآخرين.
لكن الآلام اشتدت، وخيل إلي أنني سأموت من شدة الألم، فإذا بي أطلب التخدير، وقبل أن يضع الدكتور «تود» القناع فوق وجهي. قلت له: أعطني مخدرا خفيفا بحيث يمكنك أن تنبهني حين يولد الطفل لأراه قبل أن يأخذوه إلى غرفة المواليد.
Página desconocida