Viaje en el tiempo de Nubia: Un estudio sobre la antigua Nubia y las perspectivas de desarrollo futuro
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Géneros
وطوال هذه الرحلة الهادئة كان يمكننا مشاهدة قطاع من النوبة على مهل ونصور دون اهتزاز كالذي نحس به أحيانا على متن «لندا»، وكان دخان حريق خشب السنط لعمل الفحم النباتي الذي يقوم به أبناء الصعيد، يتصاعد في مناطق مختلفة إلى عنان السماء ويتلاشى معطيا عنصرا جديدا للصورة البانورامية في شمال توشكى ومنطقة مصمص، وعلى البر الشرقي كانت هناك جمال العبابدة ترعى تحت أشعة شمس ما قبل الظهيرة.
وبعد ثلاث ساعات أصابنا الملل من تكرار المناظر والبطء والسكون الشامل الذي تقطعه دندنة الملاح في أحيان، وكانت عنيبة قد بدأت تظهر في الأفق، فركبنا «لندا» وفككنا أسرها، وبعد ربع ساعة كنا على رصيف عنيبة، وبعد نصف ساعة وصل المركب الشراعي الذي كنا نستقله، جلسنا عند استراحة مصلحة المساحة وتغدينا، ثم تحركنا في الثانية والنصف في اتجاه الدر، وفي الطريق قابلنا البوستة متجهة إلى عنيبة، وأخذت كوثر عدة صور لحافة إبريم الصخرية المشرفة على النهر، وفضلا عن أهمية إبريم أيام حكم الكشاف والأغوات في النوبة، فإن الفراعنة قد بنوا في صخرة إبريم ثلاثة معابد منحوتة في الجبل على ارتفاع نحو عشرة أمتار من منسوب الأرض المحيطة، وقد بني أقدم هذه المعابد أيام حتشبسوت، والثاني أيام تحتمس الثالث الفرعون المحارب، والثالث أيام رمسيس الثاني الذي ملأ النوبة بمعابده وأشهرها أبو سمبل.
وصلنا جتة «قتة» ورسونا لفترة قصيرة على البر تجنبا لأمواج الأكسبريس - الباخرة النيلية الفاخرة السريعة التي لا تتوقف بين شلال أسوان وحلفا، عكس البوستة الأسبوعية التي تقف في كل ناحية وتخدم بذلك كل النوبة المصرية.
تابعنا السير شمالا بين مناظر مختلفة: البر الشرقي جبلي تتخلله بعض الخضرة ونجوع قليلة، والبر الغربي سهلي مكشوف مليء بخضرة المحاصيل وخضرة الأشجار والنجوع الكثيرة، وفي منطقة توماس شاهدنا صندلا يجر إلى جانبه مركبين شراعيين يساعدهما وهم متجهون جنوبا ضد التيار، وأمام توماس كانت ترسو سفينة المستشفى التابعة لوزارة الصحة، وقد سبق القول أن هذه السفن تتنقل كل فترة في دائرة معلومة لتخدم مجموعة من النواحي، ثم غيرها وهكذا دواليك.
وفي الرابعة والنصف وصلنا الدر؛ أي إن رحلة العودة استغرقت نحو ساعتين فقط من عنيبة إلى الدر، بينما استغرقتنا رحلة الذهاب من الدر إلى قرب عنيبة نحو خمس ساعات، وبعبارة أخرى فإن السفر مع تيار النهر هو على الأقل أسرع مرتين من السفر ضد التيار.
على أية حال فقد كان منظر الدر بديعا ونحن نقترب منها: البيوت البيضاء على مرتفع متوسط وتحت أقدامه السهل الزراعي وأشجار النخيل الشامخة، وعلى البر كثير من المراكب الشراعية بأشرعتها الملفوفة وصواريها السامقة تطاول السماء، قابلنا الأستاذ حسين المدرس بالمدرسة الإعدادية الذي كان بصدد العمل مع د. آن هوهنفارت
Ann Hohenwart-Gerlachstein
التي كانت تقوم ببحوث اللغة وتسجل الشعر النوبي وتترجمه بواسطة بعض المدرسين - حسين عبد الجليل مدرس الفيزياء في الديوان، وعزيز عبد الوهاب مدرس اللغة الإنجليزية في دفنكالو ضاحية الدر - وقد نشرت دراستها في فيينا 1979 باسم «بحوث نوبية»
Nubien Forschungen ، وقمنا بجولة في داخل الدر، ثم زيارة للمدرسة، ومبنى الداخلية الذي يسكنه التلاميذ، والمطعم وحجرة المشرف، وكلها مجهزة بطريقة لا بأس بها.
ذهبنا إلى بيت العمدة للتحية وقدم لنا ليمونادة مرطبة فعلا في الجو القائظ، وأعطونا حجرة في الاستراحة المكونة من حجرتين وصالة وحمام ومطبخ وحجرة فراش. انتهزنا الفرصة فأخذنا حماما أزال الجهد، والمكان كله نظيف ومعتنى به، فهو بمثابة «بنسيون» للزوار، وخاصة الأجانب الذين يزورون الدر شتاء لمشاهدة معبد الدر المنحوت في الجبل أيام رمسيس الثاني، ويوجد عند مدخل خور الدر، وقد غاصت معابد إبريم والدر تحت مياه السد العالي فلم يمكن نشر الجبل إلا بتكلفة عالية، كما أن الكثير مما كانت تحتويه هذه المعابد من كتابات وصور ومنحوتات قد طمست أو قطعت بواسطة الطامعين، وخاصة من الأجانب.
Página desconocida