Viaje en el tiempo de Nubia: Un estudio sobre la antigua Nubia y las perspectivas de desarrollo futuro
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Géneros
وجلس رياض يتحدث مع بعض المعارف الذين التقى بهم في الرحلة السابقة ، بينما ذهبت كوثر عند بعض المعارف من النساء؛ لكي تسجل بعض الأغاني، ويبدو أن أهل سيالة يكنون مشاعر قوية لبلدتهم بحيث تظهر في أغنيتهم «سيالة جنة الدنيا»، لماذا؟!
وفي صباح اليوم التالي، وبعد أن ملأنا خزانات القارب بالبنزين، تحركنا في اتجاه المالكي في نحو الحادية عشرة إلا ربعا، وبعد ساعة من الإبحار انتهت منطقة سيالة وبدأت حافة الجبال الشرقية والغربية في الاقتراب من النهر؛ استعدادا للدخول في منطقة عمدية المضيق؛ آخر بلاد الكنوز وأول بلاد عرب العليقات. وفي الواحدة والنصف رسونا أمام ظل شجرة وارفة في أحد نجوع المضيق، واستمتعنا بالغداء في هذا الظل الظليل مع بعض النسمات الخفيفة والنيل أمامنا ضيق فعلا، لكنه لا يبلغ ضيق بوابة كلابشة بأي حال، لم يحضر إلينا أحد من سكان المضيق، فتحركنا في نحو الثالثة صوب المالكي، كل ما لاحظناه في المضيق أن الذرة أطول وأكثف عما شاهدناها من قبل، كما أن الزراعة الصيفية في كل النوبة تتشابه في تنظيم المحاصيل مكانيا؛ الذرة تحتل الواجهة النهرية دائما؛ ربما لاحتياج النبات للمياه أكثر، ثم غالبا أرض فضاء تنمو فيها الأعشاب، ثم محصول الكشرنجيج واللوبيا، وفي نهاية السهل الفيضي تبدأ البيوت القديمة المهجورة منذ 1933، ثم المرتفعات التي تقع فوق منسوب 121 مترا وعليها بنى الناس مساكنهم.
في نحو الرابعة وصلنا منطقة آثار السبوع حيث كانت مخيمات رجال الآثار والعمال تملأ المكان، وفي هذه المنطقة المرتفعة يوجد معبد السبوع - نسبة إلى تماثيل السباع وأبي الهول على طول ممر طويل يؤدي للمعبد - الذي يرجع إلى رمسيس الثاني، وكان مشيدا لعبادة الإله آمون والإله رع حراختي، وقد نقلت إلى السبوع عدة معابد من النوبة السفلى، أهمها معبدا الدكة والمحرقة اللذان يعودان إلى العصر الروماني.
وبعد نحو نصف ساعة وصلنا عمدية وادي العرب وصخورها داكنة اللون، وقد ظهرت أسوار مساكنها مزخرفة بوحدة بناء متكررة في الجزء الأعلى من السور، كأنها شريط بطول السور من الفتحات المربعة الصغيرة، أعلاها فوق البوابة بناء صغير أشبه بثلاثة مثلثات متشابكة، وهذا النمط المعماري هو غير ما شاهدناه في بلاد الكنوز، حيث يغلب رسم وحدات نباتية وأزهار بألوان عدة على الجدران البيضاء، وقرب الشاطئ كانت بعض النساء تسير وهن يلبسن جلابيب سوداء بدون الشقة التي تلتف بها النوبيات، والمنطقة الغربية كلها تكثر بها الرمال الحمراء متداخلة مع الصخور، سرنا فترة أخرى وسألنا من على الشاطئ أين نحن، فقالوا ما زلنا في وادي العرب، ولا زالت المنطقة موحشة فقيرة مناظرها تكاد لا تتغير، وأمامنا على البر الشرقي ظهرت نجوع كثيرة، بيوتها في لون الصخر غير مطلية بالجير وسقوفها مسطحة.
وأثناء السير غير رياض خزان البنزين الخاص بأحد المحركين، وكان الريس محمد عند عجلة القيادة، ويبدو أنه أخطأ طريقة تشغيل المحرك - أو شيء من هذا القبيل - فاشتعل المحرك بعنف مع دخان كثيف، فأسرع رياض بإغلاق مسار البنزين من الخزان إلى المحرك، وتوقف الاشتعال وهدأت الأدخنة، أسرع محمد بالقارب إلى البر، وجلسنا على البر نهدئ التوتر الذي أصابنا بعض الوقت.
المالكي
تابعنا السير بمحرك واحد حتى وصلنا نجع كرونجو - كرنكو أو كرانجو حسب اختلاف النطق - أحد نجوع المالكي الشمالية، حوالي الثامنة إلا ربعا، الضفة الغربية كلها مزروعة بكثافة كما لو كنا في منطقة ريفية بالصعيد، بينما انعكست أشعة الشمس الغاربة على سلسلة جبلية عالية على البر الشرقي فكستها حمرة ذهبية اللون، وأمام كرونجو كانت جزيرة كرونجو الغنية بالخضرة، وبعد نحو عشر دقائق رسونا عند نجع الحمداب، وهو النجع الأوسط في سلسلة نجوع عمدية المالكي.
نزلنا من القارب وأخذنا نخوض في أرض طينية مبللة وسط حقل من الذرة، والضفادع نقيقها عال تفقز هنا وهناك حول أقدامنا، وبعد أن عبرنا حقل الذرة إلى أرض معشوشبة مكشوفة، رأينا بعض أنوار باهتة على البعد في مساكن النجع، وأخذنا ننادي يا «أستاذ هلالي» حين اقتربنا من أسفل النجع، والأستاذ محمد هلالي هو ناظر مدرسة السنجاري لكنه يقطن المالكي، وكنا على مراسلة معه بحضورنا إلى المالكي، وفي السكون الشامل كان صوتنا يدوي عاليا إلى أن رد علينا مجيب كان هو والد هلالي الذي خرج لنا ومعه فانوس يضيء مساحة محدودة، وقال لنا إن ابنه سوف يحضر بعد قليل من السنجاري، وقادنا الوالد تحت السفح الذي تعلوه البيوت حتى نجع البركة، ووصلنا إلى مجموعة طويلة من السلالم الصاعدة إلى مضيفة واسعة ذات أعمدة بيضاء طويلة، حيث قابلنا الأستاذ عوض أفندي صاحب المضيفة مرحبا، وبدا لنا عوض أفندي في ضوء الفوانيس المحدود كراهب من رهبان الديانة البوذية في سرواله الأبيض وصلعته اللامعة، وفي الفراندة الكبيرة للمضيفة أنعشتنا نسمات حلوة ونحن نتلقي كلمات الحفاوة الكريمة من والد هلالي وعوض أفندي، ونرد التحية بما قدر لنا، ولكنا كنا مبهورين بالمنظر البانورامي الشامل أسفلنا، ففي الظلمة العامة كانت هناك درجات عالية من الدكنة تمثلها ظلال الجبل الشرقي، ودكنة أقل حول دوائر النور الباهتة التي تنبعث من بعض البيوت على طول خط الهضبة، كما لو كانت حافة الكون التي يمثلها نجوم درب التبانة أو الطريق اللبني.
وفي الصباح ذهبنا إلى القارب نقوم ببعض الترتيبات ونعطي للريس محمد إفطارا، ودخلت كوثر بعض البيوت للتعرف والمحادثة ورسم مخططات البيوت، وكان بيت عوض أفندي خلف المضيفة محاطا بسور ضخم من الحجر الأصم، كما لو كان سور قلعة حصينة، ويمتد السور في شكل مربع طول الضلع نحو 30 مترا، وحوش واسع في وسطه بناء للمزيرة، وإلى جانب الأسوار امتدت غرف عديدة للنوم ذات شبابيك طليت باللون الأخضر، ومخازن للعلف الحيواني، والمطبخ، ومكان مظلل يستخدم مضيفة للنساء، وأماكن لربط البقر والماعز والغنم والحمير، وإلى جوار البيت كان هناك دكان التجارة التي يمارسها عوض أفندي بعد أن تقاعد من عمله في حكومة السودان.
وبعد الغداء توجه رياض بالقارب مع الأستاذ محمد هلالي إلى السنجاري عبر النهر وزار دخلانية السنجاري، وكما يدل اسمها فإنها تقع في الداخل عبر خور مائي ضيق يشق الحافة الجبلية لا يكاد يبين إلا لمن يعرف المنطقة، ويلتوي الخور وسط حافات صخرية عالية جرداء من الحجر الرملي النوبي الذي يضرب لونه إلى الاحمرار، تنحدر بزوايا حادة إلى الماء، ثم تنفرج الصخور عن مكان متسع مليء بالنخيل وزراعات الأهالي وأشجار السنط، كما لو كانت واحة مجهولة وسط اللامعمور، وتمتد بيوت النجع على المنحدرات الهينة، وهي أكثر نجوع السنجاري سكانا؛ 242 شخصا من مجموع 475، هم كل سكان السنجاري.
Página desconocida