Viaje en el pensamiento de Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Géneros
الملاحظة الثانية:
يعود الكلام المعبر عن فكر فينقسم نوعين: الأول الكلام الذي يرتبط بالواقع المحسوس، كقولي مثلا: «الكويت تقع على الخليج العربي»، فهو كلام ذو علاقة بأمر واقع، يمكن رؤيته ورسمه على الورق، والنوع الثاني هو الكلام الذي يرتبط بكلام آخر، كقولي: «إن ركوب البحر أمتع من ركوب الطائرة، ولما كانت الطائرة أسرع من السفينة، كانت المتعة غير متوقفة على السرعة.» فهذا الكلام لا يشير إلى شيء في دنيا الواقع، وإنما هو يعبر عن نفسية المتحدث، وهذه التفرقة هي التي جاءت بها الوضعية المنطقية، وأخذ بها مفكرنا في المرحلة الثانية من تطوره الروحي، واعتبرها كشفا هاما في الفلسفة المعاصرة.
ومفكرنا يعيب على اللغة العربية أنها كانت في تراثنا القديم، وما زالت حتى يومنا الراهن، من النوع الثاني الذي لا يصور الواقع «فهي توشك ألا تنتمي إلى دنيا الناس، فلا تكاد ترى علاقة بينها وبين مجرى الحياة العملية؛ ولهذا السبب خلق الناطقون باللغة العربية لغات عامية، يباشرون بها شئون حياتهم اليومية ...»
67
وهكذا ينتهي فكرنا إلى أن الفصحى في تراثنا الأدبي لم تكن أداة للاتصال بمشكلات العالم الأرضي، ولا وسيلة للثقافة المتصلة بحياة الناس، بل كانت مجالا للفن الذي يهوم في السماء أو ما يشبه السماء، فقد كان الكاتب يعنى بالقول في ذاته كيف يجيء مسبوكا.
68
فاللغة عندنا نغم يطير بنا فوق أرض الواقع، ويصعد إلى اللانهائي والمطلق، والأمل المنشود هو أن تتطور اللغة بحيث تحقق شرطين؛ الأول: أن تحافظ على عبقريتها الأدبية، وأن تكون أداة للتوصيل لا مجرد وسيلة لترنيم المترنمين. والثاني: أن تكون الوسيلة الأولى التي ندخل بها مع سائر الناس عصر التفكير العلمي الذي يحل المشكلات.
69
ويشدد مفكرنا على الدور الهام والخطير الذي لعبته الكلمة في تراثنا، حيث كانت هي الفكرة، وهي الثقافة، وهي المهارة، «فاللغة هي عزهم، وهي مجدهم، وهي فنهم، وهي علامة إعجازهم، وخصوصا إذا ارتفعت إلى مستوى الشعر.»
70
Página desconocida