Viaje en el pensamiento de Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Géneros
21
ومن هنا كانت المشكلة الرئيسية التي شغلت فكره خلال الخمسينيات هي إشاعة «نور العقل»، والدعوة إلى التمسك به؛ فهو الجانب الغائب في ثقافتنا التي أظلمت سماؤها، بعد أن شالت كفة الوجدان ورجحت بل وطغت، فنحن أمة تفضل القلب على الرأس، وترفع من شأن المشاعر والوجدان، وهل هي مصادفة أن تجد منا ألف شاعر كلما وجدت عالما واحدا؟!
22
ومن هنا فقد توارت عنده، في هذه المرحلة، مشاعر الوجدان ومنها المشاعر الدينية الفياضة (وإن ظهر الوجدان في المقالات الأدبية)؛ ذلك لأنه وجد أن القاسم المشترك في جميع الحضارات هو الاحتكام إلى العقل، في قبول ما يقبله الناس، وفي رفض ما يرفضونه. وهذا الاحتكام إلى مقاييس العقل وحده، قد يتبدى في صور تختلف باختلاف العصور، فربما ظهر في مجال السياسة، أو الحياة الاجتماعية، أو مجال الحرب، أو في مجال التشريع، أو في مجال العلوم الطبيعية.
23
وهذه العقلانية في وجهة النظر التي نراها ماثلة في كل حضارة مهما اختلف لونها، ولا نراها في أي جماعة بدائية مهما تعددت بعد ذلك صفاتها، وليس ما نسميه «علما» سوى العقلانية، التي اتخذت لها منحى معينا من مناحيها الكثيرة.
فقد تتجه العقلانية نحو الأفكار المجردة تنظمها وتنسقها في ترتيب هرمي ليضع الأعم منها فوق الأخص، كما حدث عند اليونان الأقدمين، أو ربما اتجهت نحو ظواهر الطبيعة تستخرج قوانينها النظرية، كما حدث لأوروبا في عصورها الحديثة، أو اتجهت نحو تجسيد تلك القوانين العلمية النظرية في أجهزة يديرها الإنسان، أو تدير نفسها كما يحدث في عصرنا الحاضر.
24
وقد تجلى هذا المنحى العقلي الخالص، عند مفكرنا، في جانبين مرتبطين أتم الارتباط: المنهج العلمي من ناحية، والتجريبية العلمية من ناحية أخرى، وتكشف عنهما معا أول عبارة ذكرها في كتابه «المنطق الوضعي» في مارس 1951م، وهي عبارة عنيفة وإن كانت معبرة ودقيقة: «أنا مؤمن بالعلم كافر بهذا اللغو الذي لا يجدي على أصحابه، ولا على الناس شيئا، وعندي أن الأمة تأخذ بنصيب من المدنية يكثر أو يقل، بمقدار ما تأخذ بنصيب من العلم ومنهجه ...»
25
Página desconocida