Viaje en el pensamiento de Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Géneros
هذا هو زكي نجيب محمود كما عرفته: أستاذا، ومعلما، وإنسانا، صاحب الخلال الرفيعة، التي شهد له بها خصومه قبل أصدقائه. ولست أجد عبارة أختم بها هذا الحديث أفضل مما قاله الأستاذ إبراهيم فتحي، الذي انتقد أفكاره نقدا شديدا من زاوية ماركسية، لكنه، مع ذلك، يؤمن بأن زكي نجيب محمود: «يقدم بشخصه نموذجا رفيعا نادرا للمفكر الحر: فما استعدى سلطانا على خصم، وما تعلق بأذيال ذوي الجاه، وما حاول أبدا أن يفرض رأيه على تلاميذه، أو يجندهم لمذهبه، وما لجأ في جدال إلا إلى قوة الحجة، ولم تعرف المهاترة والمكابرة أبدا طريقها إلى قلمه الفياض، الذي لم يتخذ غيره سلاحا، ولا شيء أبعد عن الحقيقة من وصفه، بأنه يمثل استعمارا قديما أو جديدا، أو بين المطابقة بين الوظيفة الاجتماعية للوضعية المنطقية في بلاد بعيدة، وبين الدور الذي يقوم به زكي نجيب محمود في مصر والوطن العربي.»
13
هذه شهادة واحد من الخصوم، ولست أجد بعدها ما يمكن أن يقال تحية لهذا المفكر العملاق!
الفصل الثاني
زكي نجيب محمود مفكرا تنويريا
في الخامس من ديسمبر عام 1784م كتب الفيلسوف الألماني العظيم «أمانويل كانط» (1724-1804م) مقالا في «مجلة برلين الشهرية» عنوانه: «ما التنوير؟» (كما كتب مندلسون وغيره في الموضوع ذاته).
1
ردا على مقال لأحد القساوسة الألمان يتساءل فيه عن معنى هذه الكلمة، التي شغلت أذهان الناس في ذلك الوقت، وقد يكون من المفيد، ونحن نتحدث عن زكي نجيب محمود المفكر التنويري، أن نبدأ بتلخيص مضمون هذا المقال لنرى في ضوئه ما الذي نعنيه بالفكر التنويري عند مفكرنا الكبير.
الفكرة المحورية في التنوير هي القول بأن الإنسان قد بلغ سن الرشد، وأنه ينبغي أن ترفع عنه «الوصاية»؛ لأنه لم يعد قاصرا بحيث يحتاج إلى غيره ليفكر نيابة عنه، والمقصود بالإنسان هنا «الإنسان المفرد»، أو المواطن العادي الذي بلغ عقله مرحلة النضج، ويستطيع إذا ما استخدم عقله استخداما جيدا، أن يصل إلى الحقيقة. وهذا يعني أن العقل البشري ليس بحاجة إلى سلطة ترشده أو تهديه سواء السبيل؛ ومن هنا كان شعار عصر التنوير «لتكن لديك الشجاعة لتستخدم عقلك» أو تشجع واعرف بنفسك ولنفسك، وأعمل العقل في كل مناحي الحياة، وفي أي موضوع يطرح عليك، ولا تركن إلى الكسل والجبن الشائعين عند بعض الناس، الذين يعتقدون أن في القصور راحة، وأن التفكير العقلي المستقل أمر خطير جدا، ولا تقل لنفسك: إنني لست بحاجة إلى التفكير إذا كان هناك من يقوم عني بهذه المهمة الثقيلة.
ومضمون هذه الدعوة رفض السلطة التي توشك أن تكون العدو اللدود للعقل، سواء تمثلت هذه السلطة في التقاليد الموروثة، أو في سلطة الحكام أو تراث الأقدمين أو حتى المحدثين، وهذا يعني استحداث أساليب جديدة في التفكير، فلا نهضة حقيقية إذا ما ظلت طرق التفكير القديمة باقية، كما هي معتمدة على الاستنباط من سقف معين (تراث الأقدمين، أو السلطة الدينية، أو سلطان الحكام أو حتى المفكرين ) هابطة إلى نتائج ليس فيها جديد، لا نهضة حقيقية إلا بإحداث «ثقوب» داخل هذا السقف للنفاذ منها إلى آفاق جديدة، ولتحقيق هذه الغاية لا بد من استحداث أساليب جديدة في التفكير تضع كل شيء تحت محك النقد، وترفض القبول الأعمى لكل ما يقال بغير فحص أو تمحيص، وتتجه إلى الاستقلال العقلي الذي يجعلنا نبدع ونبتكر. وماذا عساه أن يكون الإبداع إن لم يكن كسرا لما هو قائم، وإضافة جديدة لم تكن مسبوقة من قبل؟!
Página desconocida