Viaje en el pensamiento de Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Géneros
75 (ج) الضمير الديني
الغاية التي يجب أن نستهدفها من التربية الدينية هي إيجاد ذلك الضرب من الوجدان الديني الذي من شأنه أن يهدي صاحبه كلما جد موقف في الطريق، إلى اختيار السلوك الذي يعينه على تكامل شخصيته، تكاملا ينم عن «وحدانية تلك الشخصية»؛ لأن ما يحقق إسلام المسلم هو في المقام الأول، أن يجسد في شخصه رسالة الإسلام، و«التوحيد» من تلك الرسالة هو في صميم الصميم.
لكن ماذا نعني بكلمة «الضمير»؟! نعني بها ما استخلصناه لأنفسنا مما وعيناه وعشناه: إما من خبراتنا المباشرة أو مما علمنا إياه آباؤنا ومعلمونا، «فأضمرناه» في نفوسنا لنحمله معنا أينما توجهنا، فنكون بمثابة من يحمل معه دليلا هاديا، يرشده إلى سواء السبيل إذا ما أشكل عليه الأمر.
76
فما هو المبدأ الذي يستخلصه المسلم من أحدية الله ويضمره في صدره ليكون مرجعه في مسلك حياته؟ كيف نحول عقيدة «التوحيد» بالتربية إلى «ضمير»، يكون به المسلم مسلما فيما يدع وفيما يختار؟! هذا المبدأ هو أن يختار الفعل الذي يتسق مع غيره في بناء شخصية موحدة. فالتوحيد الإسلامي هو في أعماقه تناسق في حياة الإنسان الأخلاقية، بمعنى أن تنظم مجموعة القيم الروحية في ترتيب معين، يبين أيها أولى من أيها إذا ما تعارضت في موقف معين؛ ومن ثم فعقيدة المسلم إذا ما رسخت في صدره ضميرا يهديه إلى جادة الطريق، ضمنت له ألا تتعدد معاييره الأخلاقية، فمعيار أمام ولي الأمر ومعيار آخر أمام الناس، ومعيار ثالث يقيمه حين يخلو لنفسه! إننا إذا استطعنا تربية هذا «الضمير الديني» عند أبنائنا وبناتنا، كان ذلك درعا تحميهم من أن يذل صغيرهم لكبيرهم، أو أن يذل فقيرهم لغنيهم، أو أن يذل محكوم لحاكم.
77
مفاهيم متفرقة
هناك مفاهيم دينية كثيرة تعرض لها مفكرنا بالتحليل والتشريح؛ من ذلك مثلا التفرقة بين «الفكر الإسلامي» من ناحية، «وفكر المسلمين» من ناحية أخرى، فلكي يكون الفكر إسلاميا لا بد أن يكون منصبا على مسائل متصلة بعقيدة الإسلام وشريعته، منها مثل وجود «الله» وصفاته كالوحدانية، والعدل، والقدرة، والعلم ... إلخ ،
78
كذلك فكرة الإمامة، خلق القرآن ... إلخ إلخ. هذا هو الفكر الإسلامي الذي ينصب على موضوعات متعلقة بالعقيدة، إلا أن المسلمين كان منهم علماء ذوو فكر إنساني عام لا يتقيد بصفة، تقصره على ديانة دون ديانة أخرى، وها هنا نرى للمسلمين فكرا في شتى نواحي العلم والمعرفة؛ مما لا يختص بالعقيدة والشريعة، وليس فيه من الإسلامية إلا إسلام صاحبه مثل عالم الرياضة، وعالم الفلك، وعالم الكيمياء والبصريات، والطبيب، والمهندس، بل ونستطيع أن نضيف أنواعا أخرى مثل كتاب الرحلات، ونقد الأدب، وعلم الحيوان والنبات ...إلخ كل ذلك ضروب من العلم والمعرفة قام بها مسلمون، حتى أصبحت جزءا هاما فيما نسميه بالتراث العربي، إلا أنه لا يندرج فيما نسميه بالفكر الإسلامي ...
Página desconocida