* بسم الله الرحمن الرحيم
* والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
قال الشيخ الفقيه العالم الورع الزاهد شيخ الشريعة والحقيقة ، وإمام أهل الطريقة ، العالم الرباني ، والفقيه النوراني ، سيدي الحسين بن محمد السعيد الشريف الورثيلاني (1) رحمه الله تعالى ورضي عنه وأعاد علينا من بركاته وأفاض علينا من بحر أسراره وأنواره بمنه أمين.
الحمد لله الذي خلق الإنسان (2) أطوارا ، وجعل الشمس والقمر والنجوم أنوارا ، وسيرها من كون إلى كون بحيث تقطع أبراجا ليلا ونهارا ، فيا عجبا من رحلتها بسوق الأملاك إياها فهي أية النهار حقا مشهورا. خلق الإنسان (3) من نطفة أمشاج ليبتلي وجعل سمعيا بصيرا ، فبهدي إلى السبيل أما شاكرا وأما كفورا ، ثم كالأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، عينا يشرب بها المقربون أعني زمزم وذات المحبوب يفجرونها بالشوق (4) تفجيرا ، نعم يوفون بما به كلفوا من المناسك وما به عرفوا من الحقائق تذكرا وتذكيرا ، يسمى (5) العهد القديم والنذورا ، ويخافون يوما كان شره مستطيرا ، ويطعمون الطعام في البر والبحر على حبه والرغبة فيه لقلته وغلائه جائعا وضريرا ، بحب وشوق وعشق في الله ونبيه ورضاهما لا يريدون جزاء ولا شكورا ، فوقاهم الله شر ذلك اليوم بسعيهم سعيا مقبولا مشكورا ، وتجارة لن تبورا ، ليوفيهم الله تعالى أجورهم ويزيدهم من فضله النظر إلى وجهه وقد حجوا
Página 11
حجا مبرورا ، ولقاهم أيضا نظرة ورحمة وعزا ورفعة ومعرفة وزهدا وبصيرة وسرورا ، وجزاهم أيضا بما صبروا لتعب السفر ومشقته حرا وبردا وسقما (1) جنة وحريرا ، فلا يرون في ظل العرش عذابا أصلا ولا شمسا أيضا ولا زمهريرا ، فما أحسنها من رحلة وظعن من الخلق إلى الخلق وان إلى ربك المنتهى وسواه لم يكن شيئا مذكورا ، فسبحان من وفق (2) وخذل آخرين مع استوائهم في البشريات ألا له الخلق والأمر تبارك الله يقول للشيء أخسا فيكون مذموما مدحورا ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرمدا دائما بكرة وأصيلا ليلا ونهارا ، وعلى آله وأصحابه أجمعين صلاة نحوز بها غدا حجابا عظيما من شر كل ذي شر مع لواء الحمد في حضرة القدس منشورا ، وذلك مع الأباء والأمهات والأزواج والذرية والأحبة وفي جنة الفردوس تكون قصورا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نشأت من صميم القلب وخلوص الاعتقاد خالية من الأمتراء تكون لنا يوم القيامة فوزا ونورا ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ونبيه وقريبه صلى الله عليه وسلم إذ كان مؤيدا منصورا.
وبعد فأني لما تعلق قلبي بتلك الرسوم والآثار ، والرباع (3) والقفار والديار ، والمعاطن والمياه والبساتين والأرياق والقرى والمزارع والأمصار ، والعلماء والفضلاء والنجباء والأدباء من كل مكان من الفقهاء والمحدثين والمفسرين الأخيار ، والأشياخ العارفين والأخوان والمحبين المحبوبين من المجاذيب المقربين والأبرار ، من المشرق إلى المغرب سيما أهل الصحو والمحو إذ ليس لهم من غير الله فرار ، أنشأت رحلة عظيمة يستعظمها البادي ، ويستحسنها الشادي ، فإنها تزهو
Página 12
بمحاسنها عن كثير من كتب الأخبار مبينا فيها بعض الأحكام الغريبة والحكايات المستحسنة والغرائب العجيبة وبعض الأحكام الشرعية مع ما فيها من التصوف مما فتح به علي أو منقولا من الكتب المعتبرة سيما وان اعتمادي في ذلك على رحلة شيخنا وقدوتنا ومن على الله ثم عليه اعتمادنا سيدي أحمد بن [محمد بن] ناصر [الدرعي الجعفري (1) ] هذا وأني أنقل أيضا من بعض كتب التاريخ كنبذة (2) المحتاجة في ذكر ملوك صنهاجة ومختصر الجمان في أخبار أهل الزمان (3) وكذا حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة وغيرهما (4) مما يناسب المحل جعله الله خالصا لوجهه وعملا متقبلا بين يديه وحصنا حصينا من كل بلاء دينا ودنيا لمؤلفه وناسخه ومالكه وناظره أمين يا رب العالمين وكذا قلت وعلى الله اعتمدت.
اعلم أيها الأخ لما أراد الله المشي منا إلى الحج وقد سبق في علم الله أن يكون حجنا في عام تسعة وتسعين ومائة وألف (1179) مع إجابة وتلبية للخليل عليه السلام حين قال له الله تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر من كل فج عميق الآية حدث لنا العزم بإذن الله تعالى.
وسببه أن الفاضل العالم الكامل الصالح أخانا في الله والمحب من أجله سيدي أحمد الطيب الزواوي نجل الولي الصالح سيدي محمد السعدي من بني العزيز من وطن بني منجلات قدم إلينا زائرا وواقفا علينا وطالع أحوالنا لعل الله يفرج ما بنا من الفتنة مع بعض المخذولين الخارجين عن طاعة الله ورسوله في الأحكام الشرعية بعد إعطاء البيعة والأذعان في جميع الأحكام الشرعية ونبذ العوائد الردية والبدع
Página 13
الشنيعة كقطع الميراث وأكل أموال الناس بالباطل وأموال اليتامى ولين الجانب كالأرامل فلما وصل إلينا فرج الله عنا ذلك بعد أن وقع النصر من الله العزيز لقوله تعالى : ( ولينصرن الله من ينصره ) ولقوله تعالى : ( تنصروا الله ينصركم ويثبت ) فيوقع الصلح بين الفريقين وأظهروا التوبة والذل والمسكنة والندم بعد أن كانوا ممتنعين منها ظاهرا وباطنا الفضل لله تعالى والشكر له جل جلاله.
فلما كان ذات ليلة من الليالي إذ (1) اجتمع سيدي أحمد الطيب مع أخينا في الله سيدي أحمد بن حمود (2) وسيدي مهنا وكلهم ذوو الفضل والعلم والصلاح في دارنا فأخذوا في حديث الانتقال من الوطن فتوقى بهم الكلام إلى التحدث على الحج سنة إذ مع أننا سمعنا أن الشيخ الفاضل الكامل شيخ الركب سيدي محمد المسعود نجل الشيخ البركة سيدي الموهوب نجل الشيخ الولي الصالح والبدر الواضع سيدي محمد الحاج قد ضرب طنبله (3) في المدينة المحروسة الجزائر على عادة الأمراء في ذلك نعم كنا تواعدنا معه قبل على السفر جميعا وفق الله الكل إلى صالح القول والعمل وذلك عام مشينا لزيارة النبي سيدي خالد عليه السلام على القول بنبوته وقد شهر غير واحد من المتأخرين رسالته بجبل الرس (4) الملقب الآن أوراس وكانت معجزته نارا (5) وكانت رسالته قبل رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمدة قريبة إلا أن رسالته صلى الله عليه وسلم نسخت جميع الرسائل والشرائع إلا ما بقي (6) عن كونه لم ينسخ والذي شهر رسالته صاحب التآليف المشهورة والتصانيف المذكورة المنتفع
Página 14
بها غربا وشرقا وجوفا وقبلة سيما بمحروسة مصر في الجامع الأزهر إذ قد اقبلوا على تلك التآليف إقبالا كليا تدريسا وبحثا وشرحا وتعليقا بالحواشي وتطريرا سيدي عبد الرحمن الأخضري نفعنا الله ببركاته وأفاض علينا من بحر أنواره رضي الله عنه وأنا سمعنا أنه هو الذي أظهر قبره بعلم التربيع وهو مقام عظيم والوفود تأتيه من المشرق والمغرب للزيارة وأما على قول بولايته فواضح لأن قبور الأولياء لا تكاد أن تخفى وكذا نص على رسالته الخفاجي على الشفاء فما أحسنها من زيارة وقد اجتمع فيها أكابر الفضلاء وأعظم الصلحاء وتلاقينا في تلك الزيارة مع أفاضل الزاب ونجبائه ولا شك أن أكثرهم مجاب الدعوة كالشيخ الفاضل الفقيه المدرس في مسائل المختصر للشيخ خليل بشرح القدوة صاحب الأنوار الشيخ التنائي مع حاشية الشيخ مصطفى سيدي محمد الشريف من بني جلال وأهله من الأشراف والسيد عبد الباقي والفضلاء من الطلبة والفقيه الأديب سيدي عبد الباري واجتمعنا أيضا بالزاهد في الدنيا المتخلي عنها رأسا سيدي المبروك وسيدي المبروك هو تلميذ الولي الصالح الورع الزاهد سيدي أحمد بن باباس (1) ونجليه سيدي المحفوظ وسيدي الطيب وسيدي المحفوظ كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويرى الله تعالى أيضا حسبما تراه في مرائيه وكان أخا لنا (2) نفعنا الله ببركاته أمين.
وقد كان سيدي المبروك رضي الله عنه حينئذ متبتلا منقطعا للعبادة وقد رأيته رضي الله تعالى عنه كأنه خارج من قبره تعلوه صفرة وقد ظهر أثر التراب على وجهه فبتنا عنده في قريته وتكرم علينا غاية ودعا لنا ولإخواننا ومن تعلق بنا فلما أردنا الانفصال صبيحة تلك الليلة ذهب عائدا لزيارته سيدي أحمد الطيب وكثير من الناس فلم أذهب أنا معهم قصدا مني أن لا أمنعه من العبادة في تلك العودة وما
Página 15
حصل لنا قبل كأبي وذلك شأني مع كل مشتغل بالله تعالى فأن كنت بطاه فلا أعوق الغير عما يعنيه.
وقد دخلنا طولقة فاجتمعنا بها أيضا مع أهل الفضل والعلم وزرنا أيضا الشيخ المذكور والولي المشهور سيدي عبد الرحمن الأخضري في قريته المشهورة فلما وصلته وجدته كأنه حي في قبره وذقت (1) منه أمرا عظيما يكاد الجاهل أن يحيله وقد زرت والحمد لله النبي سيدي خالدا مرة أخرى قبلها مع الجم الغفير والجمع الكثير نحو الألف وفيه من الأفاضل ما لا يحصى كالسيد الفاضل الشيخ سيدي علي بن المبارك نجل سيدي علي الطيار وفي ذلك السفر زرت الشيخ الغوث أبا جملين في المسيلة أفاض الله علينا من بركاتهم وأعاد علينا من أنوارهم.
هذا وأن العهد مع سيدي محمد المسعود موثوق (2) فعقد الجميع النية وعزموا على الحج جزما وكان عزمي بعزمهم غير أن عزمي لم يتفو (3) ذلك العام إلا إذا ذهبوا فاذهب معهم قطعا إن شاء الله تعالى وبعد ذلك أظهر الجميع عزمه إلى الحج وأنا أقول عزمي على عزمهم فأعان الله الكل فحجوا وقضوا مناسكهم حال الحياة تقبل الله من الجميع.
نعم علامة القبول موجودة ودلائل الخير حاصلة إن شاء الله تعالى وكيف لا إذ لم يسافروا إلا حبا في الله ولله ومن الله (4) وشوقا في رسوله صلى الله عليه وسلم
Página 16
ودلائل الخير (1) لا يمكن فشوها كان ذلك في الكعبة وعند المواجهة علمها بعض الفضلاء وقد شاهدنا (2) ما لا يصح تخلفه بفضل الله تعالى وناهيك بزيارتهم وحبهم والأخذ منهم وإلا فالمحروم شقي ومن لم يحسن الظن غبي.
وبالجملة فلما سمع الناس من عمالة الجزائر بحج هؤلاء الفضلاء ونخبة العلماء حركهم ذلك إلى شد الرحال إلى بيت الله الحرام من كل بلد ووقع الضجيج من عامة المسلمين ومن خاصتهم وذلك من الحاضرة والبادية حتى ذهب جميعهم بنسائهم وأولادهم.
نعم زاد عزمي وقويت (3) همتي للمشي غير أنه عارضني أمر أوجب السفر مع الأخ في الله سيدي أحمد الطيب إلى ناحية زواوة وقرية تدلس [دلس] لزيارة الشيخ الولي الصالح سيدي أحمد بن عمر إذ سمعت به في صباي أنه من أهل التصريف وقد أخبرني بذلك البعض من أهل الخير ممن يوثق بهم وكان رضي الله عنه يعرف أهل عصرنا ويطالع أحوالهم ويعلم من كان من أهل التصريف منهم من المشرق والمغرب وأنه اخبرني بأن سيدي احمد الزروق بن مصباح وسيدي الحسين بن أعراب من بني يزدان وسيدي أحمد ابن باباس (4) الفليسي وسيدي أحمد بن عمر التدلسي أنهم من أهل الوقت وهو غير بعيد بل هو الحق إن شاء الله تعالى.
نعم هؤلاء فقهاء مدرسون متبعون للسنة وقد ظهرت عليهم آثار الفضل
Página 17
وأنوار الحق مشرقة عليهم وقد صحبتهم وأحببتهم وشهدت (1) من جميعهم ما يدل على ذلك على أن سيدي ابن أعراب كان يحدثني عن رجال الغيب ويقول أنهم قالوا ذا ويكون ذا ولو لا الإطالة لذكرت من كلامه ما فيه العجب العجاب من اطلاعه على بعض المغيبات.
نعم أحوال الكشف فيه ظاهرة وقد روينا من أسراره (2) رضي الله عنه وكذا من الجميع في محالهم وقد زرتهم مرارا مع اطلاعي على بعض أسرارهم والحمد لله تعالى.
فانفصلنا من مقامنا بنية الزيارة وقضاء الحوائج لبعض المسلمين من إصلاح ذات البين إذ القتال بين المسلمين في وطننا كثير والفتنة بينهم قل أن ترتفع والهرج بينهم قوي أزال الله ذلك بمنه وكرمه وحكم السلطان غير نافذ فيهم إذ لا يقدر عليهم وان كانوا قريبا من الجزائر لكونهم تحصنوا بالجبال فلم يفد فيهم الأهمة الصالحين وأهل الخير فيجب على من يقبل منه أن يذهب إليهم ويصلح حالهم ليرتفع ما فيهم من المعصية وهي قوله صلى الله عليه وسلم القاتل والمتقول في النار الحديث وقد نص علماء بجاية على أنه يجب على أهل الخير والصلاح ممن يقبل منه أن يصلح بين هؤلاء المسلمين وإلا عصى الله تعالى وقد نص أيضا على أنه لا يجوز حال قتالهم النظر إليهم ولا النزهة (3) فيهم لأنها معصية فلا تجوز مشاهدتها وهو شريك بالنظر أنظره في الأسئلة تره بالعيان.
وبالجملة فذهبنا لبعض القرى قد خربت من أجل ذلك وعلها ترجع للعمارة وكان ذلك في يد متولي أمرهم سلطان مجانة بتخفيف الجيم كما سمعته من بعض من
Página 18
يعرف ضبطه من الحذاق ويوثق به في اللغات وهو المعظم الأجل محب الصالحين الشريف المبارك محمد بن أحمد بن القندوز المقراني ثم العباسي متوجهين إلى تلك النواحي.
ومررنا على قبر الشيخ الولي الصالح والقطب الواضح رحمة وطننا وغيث بلدنا (1) سيدي يحيى العيدلي نفعنا الله به أمين وقد شهد بقطبانيته الشيخ الولي الصالح ذو التصانيف المفيدة سيدي عبد الرحمن الصباغ شارح الوغليسية وقد شرح البردة أيضا بان اختصر شرح الإمام ابن مرزوق التلمساني عليها بعلوم سبعة ورثاه عند موته بقصيدة عظيمة وشهد له أيضا بالعلم الظاهر والباطن وان له كرامات عظيمة (2) وشهد له بذلك (3) أيضا بحر الولاية والعلم سيدي عبد الرحمن الثعالبي رضي الله عنه ومثله في العلم والولاية سيدي التواتي البجائي وكان حكمه وفتواه لا يردان من بجاية إلى تورز [ومثله طود العلم وشمس الحق والعرفان السيد الشيخ زروق وكفى بهم علما وديانة ونصحا للمسلمين (4) ] أما سيدي عبد الرحمن الثعالبي فانه رد (5) رسالة للشيخ سيدي يحيى بان شاوره على أمور ثلاثة أحدها من أزواج ابنتي والثانية من يكون وصيا على أولادي والثالثة تجعل تأليفا لأصحابي فأجابه الشيخ الثعالبي عنها بان بنتك زوجها من تلميذك فلان وأما الوصية فأنت الوصي عليهم حيا وميتا وأما التأليف فقد ألفت ما فيه كفاية والآن قد كبر سني ووهن عظمي فلا أقدر على التصنيف وهؤلاء كلهم في القرن التاسع رضي الله عنهم
Página 19
وأرضاهم وأما سيدي التواتي فقد عظمة غاية التعظيم بان كتب الشيخ سيدي يحيى بعد السلام والرحمة والبركة أنك ذكرت شيئا من أحوالنا في الصلاة منتقدا أو فادحا فيها فأجابه رضي الله عنه بان قال له بعد تعظيمه بما يستحقه من التعظيم والله ما ذكرنا أحوالك إلا تبركا بها فقط وكيف لا وأنك أحييت أمورا درست وطرفا ذهبت وأنت المحق الفاضل صاحب الوقت أو كلاما يقرب منه وإما الشيخ زروق فقد ذره في كناشه وأنه ألف بعض تآليفه في مسجده المعلوم في ثمقرا (1) رضي الله عنه ونفعنا به حاصله ذكره الشيخ زروق وعظمة غاية التعظيم بحيث أخذ عنه العلم الباطن وقال بعض العلماء هو الذي ملك للشيخ زروق أقطارا من البلدان وإلى ذلك أشار بقوله «وملكنيها بعض من كان مالكا» وقد سمعت ممن يوثق به أيضا أنهما اختلفا في لفظ الجبروت هل هو بهمز أو بغير همز [فقال الشيخ زروق بغير همز إذ لم يوجد في اللغة فعلؤت هكذا بهمز (2) ] وقال الشيخ سيدي يحيى إنما هو بهمز فلما أصاب الشيخ الريب قال له الشيخ سيدي يحيى أنظره في اللوح المحفوظ بان مسح وجه الشيخ زروق فأزال الله الحجاب عه فراه كذلك ومن كرامات سيدي انه لما بنى مسجده المعلوم اختلفوا في القبلة فلما اختلفوا فيها قال الشيخ سيدي يحيى لجبل فوق قريته انخفض فانخفض فتبينت لهم الكعبة ورآها كل من كان هناك وهذا والله أعلم وان لم يرمى الكتب غير انه (3) تواتر عنه ذلك ومن كراماته رضي الله عنه أن الشيخ سيدي التواتي بعث بعض طلبته لسيدي يحيى ليرسل له شيئا من الزيت لأن بلد الشيخ بلد الزيتون إلى الآن فبعث الشيخ سيدي يحيى للطلبة معزا أي عددا منه وقال لهم سوقوا المعز من غير كلام لأحد حتى تصلوا الشيخ فلما وصلوا أثناء الطريق بان وصلوا
Página 20
سوق الثلاثا لبني هارون وجدوا بعض إخوانهم من الطلبة فسألوهم عن الخبر وقالوا بعث معنا (1) عددا من المعز وغفلوا عن وصية الشيخ رضي الله عنه فلما ذهبوا لذلك المعز وجدوه جلودا من زيت وقد أسقط عليهم الكلفة [فلما فضحوا سر الشيخ رجعت لهم الكلفة (2) ] ثم أنهم حملوها جلودا كذلك إلى أن وصلوا إلى بجاية إلى الشيخ فاخبروه القصة وقال لهم لو سكتم لوصلوا كذلك ثم يرجعون زيتا فلما خالفتم وقع بكم ما وقع من الكلفة وبالجملة من كتم سر الأولياء وكذا سر الله انتفع به ودام له ذلك وكراماته رضي الله عنه كثيرة وقد كتبنا منها نبذة في شرحنا لوظيفته عند ختمه ولم أذكر فيها كرامة عظيمة لم أرها مسطرة غير أنها تواتر أمرها واشتهر وهو انه لما رجع من سياحته وقد مكث فيها مختفيا عن الناس نحوا من عشر سنين وأمه في حال حياتها وجد أهل قريته أخذوا ثورا لحما فقسموه ولم يجعلوا نصيبا لأمه من غير اكتراث بها فلما علم بذلك تغير من أمرهم حيث لم يسهموا لها شيئا والحالة أن اللحم لم يبق منه شيء بل جعلوه في القدور ولم يجد شيئا باقيا إلا الجلد والرأس فعند ذلك ورد عليه حال عظيم بان أمسك الجلد من الذيل وقال له قم بإذن الله فقام الثور يمشي كما كان أول مرة فلما شاهدوا منه ذلك خضعوا له وتواضعوا وذلوا واستكانوا وظهر أمر الشيخ بينا بحيث أن من تعدى عليه هلك بغتة وقد كان له زرع في امالوا (3) وبات فيه جماعة من الناس بخيلهم من غير علم أن الزرع للشيخ فلما أصبح الله بخير الصباح مات جميع خيلهم وحملوا سروجهم على أعناقهم ثم إن ذلك في أخر عمره ارتفع وسئل الشيخ عن ذلك فقال فعل الله ذلك ابتداء ليعلم بحالي الخلق وليظهرني فلما حصل المقصود من الظهور والنفع للخلق وظهرت الخصوصية
Página 21
الخصوصية وثبتت ودامت ارتفع ذلك والله اعلم.
ولما زرنا قبر الشيخ وسألنا الله بجاهه أن يمن علينا بما فيه رضاه من السفر وأن ييسر علينا أمره وان يجعله مقبولا مع الأخذ في الاستخارة الشرعية وبالجملة فقبر الشيخ ترياق مجرب ذهبنا لبني عباس وبتنا عند الفضلاء الأشراف المحبين لنا جميعهم الصغير والكبير والذكر والأنثى وتكرموا وفرحوا بنا فرحوا شديدا ثم بعد ذلك لقرية المحب كل الحب إذ داره يد أهل الخير فيها يدا واحدة الفاضل الفقيه الصالح الكامل سيدي محمد السعيد بن الطالب وانه فرح بنا أيضا فرحا شديدا وبعده ذهبنا لزيارة الشيخ الولي الصالح والبدر الواضح ترياق وطنه وأمير (1) بلده سيدي أحمد بن عبد الرحمن جدا أولاد مقران والله اعلم تلميذ الشيخ سيدي يحيى وقد سمعت أنه قال للشيخ سيدي يحيى أني رأيت في النوم النار تخرج من بولي فعبرها له الشيخ بان قال يصير منهم أي من أولاده ما يصير (2) من أهل الظلم والجور وكان الأمر كلما ذكر ولعل بركة جدهم تعمهم وكذا الشرف وقد رأيت طبقات ابن فرحون انه نص على شرفهم والله اعلم قلت وقد نص الشيخ عبد الباقي على أن الشرف يثبت بالشهرة عند قول المصنف ومصرفها بكسر الراء فقير الخ والأجهوري بضم الهمزة قال الناس على ما حازوا من أنسابهم كحيازة الأموال يصدق الإنسان شرعا في نسبه كما يصدق بان ما بيده ماله إلا إذا كان مشهورا بالعداء والظلم فلا بد أن يكلفه الحاكم بأي وجه تمليكه وإلا أخذه من يده لعل صاحبه يأتي إليه نص عليه الشيخ إبراهيم الشبرخيتي.
هذا ولما زرنا الشيخ وسألنا الله حوائجنا الدينية والدنيوية وأمر السفر أيضا
Página 22
حسبنا عند الشيخ سيدي يحيى ذهبنا لقضاء حوائج المسلمين فلما قضيناها من أمير مجانة وغيره من عرفاء نبي عباس ذهبنا لمحل الولي الصالح والشريف الواضح سيدي بهلول بن عاصم نفعنا الله به وبذريته وقد اشتهر أمره انه تلميذ الشيخ سيدي يحيى كما كنا نسمع ذلك (1) والله اعلم وانه أيضا تزوج بنت الشيخ المذكور وكراماته كثيرة وحال أولاده مع الناس كذلك.
نعم بدأنا بزيارة الذاكر لله كثيرا الفاضل الصالح الفقيه المحلى بحلية القبول سيدي محمد بن سعيد الشريف البابوري وقد اجتمعت معه حيا وزرته مرتين وقد سمعت انه تلميذ الشيخ سيدي أحمد بن عبد العظيم وسيدي أحمد هذا كان من المحققين في كل علم وشهد بولايته كل من رآه من أهل عصره وقد سمعت ممن سمع سيدي إبراهيم الحاج البجائي انه سمع الحيتان في البحر تقول سبحان الله أحمد بن عبد العظيم ولي الله.
وسيدي إبراهيم هذا كان صاحب الوقت في زمانه وأني سمعت ممن يوثق بخبره أن السيد أبا القاسم الحاج صاحب فراية في بجاية انه رأى السيد إبراهيم في السماء الرابعة يجذب (2) الشمس مع الملائكة وكفى به وأني سمعت العدل المبرز الكامل الصالح سيدي علي بن عبد الرحمن البجائي انه سمع من الفقيه الصالح سيدي يحيى الصنهاجي انه قال سمعت من سيدي إبراهيم هذا يقول لا يقف عند قبري شقي وتواتر عنه هذا الخبر وقبره معلوم وذلك داخل السور عند باب امسيور (3) قرب قبر الشيخ أبي حامد الصغير أبي علي المسيلي.
Página 23
وسيدي علي هذا سمعت منه انه قال رأيت فاطمة الزهراء في النوم فقالت أنت من جيراننا ثم إنه ذهب إلى الحج ومات في المدينة المشرفة ودفن في البقيع بلغنا الله ومن تعلق بنا ببركة جميعهم.
وكذلك زرنا سيدي الهادي وأولاده كان رضي الله تعالى عنه مقبلا على الله وله بسطة في الدنيا وأقبلت عليه الناس ثم بعد ذلك امتحن ونجا بفضل الله تعالى بان تعدى عليه طلبة الشيخ سيدي أحمد بن إدريس إذ بلغ أمرهم الظلم والتعدي والفتنة للناس وهلاكهم وقطع شجرهم وأصابتهم غيرة من الشيخ وحسد فعادوه وحرقوا قريته وأخذوا ماله وقتلوا ولده ولما أحاطوا بداره ولم يتركوا فرجة له يخرج منها ظنا منهم يمسكونه بأيديهم ركب فرسه وهي طويلة جدا وهو رجل طويل بلغ فيه الغاية فلم أر رجلا مثله إلا النادر وخرج من باب صغير بحيث لا يخرج منه إلا الطفل المراهق أو ربعة من الناس نعم لا يخرج من ذلك إلا بعسر فخرج بفرسه على حاله فكل من رأى ذلك وعلم بحاله تعجب من ذلك كثيرا فنجاه الله تعالى وسلم ثم أني رأيت له قصيدة كبيرة في شأن هؤلاء الطلبة المتعدين وان خصها بعض الأوزان الشعرية فان مذهب المتقدمين لا يشترطون ذلك وإنما هو مذهب المتأخرين على أنه إن استقامت حالة الإنسان وكانت همته عالية متعلقة بالله تعالى لا يضره مخالفة القوانين الأدبية ولا غلبة العجمة ولا قلة العلم وقد ذكر فيها انه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم انه قال له سيهلكهم الله بان قبلت فيما طلبته (1) فيهم وكان الأمر كما ذكر بان شتت الله جموعهم وفرق أمرهم تفريق أيدي (2) سبا وان بقيت منهم حثالة فقد رق حالهم وضعف أمرهم غير انه إن بقي منهم ولو واحد لا يخلو من
Página 24
التعدي والظلم نعم بركة الشيخ سيدي أحمد بن إدريس تنوب (1) عليهم ولعل الله يهديهم أو يهلكهم إن لم يعلم ذلك منهم وبركة الشيخ سيدي الهادي هذا ظاهرة على ذريته أرشدهم الله تعالى.
وزيارة هذا الشيخ بعد أن زرنا مقام الشرفاء في بو جليل (2) فأنهم أهل فضل وبركة وعناية وقد اجتمعنا معهم في الجد الأعلى والشرف على ما كنا نسمعه من أعالي أسلافنا فلما وصلنا قرية أولاد الشيخ سيدي بهلول فعلوا ما أمرناهم به من الصلح مع أعدائهم وردهم إلى محلهم لأنهم حرقوهم بالنار (3) وأخذوهم وقتلوا منهم ثلاثين وأولاد الشيخ كثيرون غير أن فيهم من يقرأ القرآن ومن يفهم العلم وكثير منهم على طبع العامة من تقليدهم سيف الفتنة وأحكام العوائد نعم غلب عليهم الكرم.
ثم بعد زيارتهم وقضاء الحوائج منهم ذهبنا لزواوة فزرنا وطنهم الحي والميت والظاهر والخفي على الجملة إلى أن بلغنا بيت الفاضل الأخ سيدي أحمد الطيب واجتمعنا بفضلاء من الناس.
وبعد ذلك عزمنا على زيارة الولي الكبير والقطب الشهير سيدي علي بن موسى ومررنا على بني منجلات وبني بترون وبني عيسى وغيرهم فلما وصلنا الشيخ سيدي علي بن موسى بتنا في مقامه المشهور وضريحه الترياق (4) وقد ظهر من أمره نفعنا الله به أن من قصده لحاجة دنيوية أو دينية يعطي لو كلائه وطلبة مقامه شيئا
Página 25
معلوما إذ كل حاجة بما تشترى من القدر المعلوم تقضى بإذن الله تعالى وفضل الله عليه عظيم وصبغة الله عليه جالية وزائره مقبول وقبره دواء رباني وطب إلهي وقد كان في القرن التاسع معاصرا للشيخ سيدي يحيى العيدلي وصديقا له كراماته باهرة وأحواله ظاهرة قلت قال الشيخ سيدي يحيى العيدلي علي بن موسى فيه خاصية الرقية لم تكن في أحد من أهل عصره قال وقد رقي لي عكازا أي عصا وكنت أرقي به للناس فيظهر أثارها وقيل انه ذهب لبني يمل (1) في وادي بجاية (2) وأتوا له بولد كبير بلغ حد المشي وتجاوزه ولم يقدر على المشي بان صار مقعدا لا يقوم أصلا فمسح عليه ورقاه فمشى من حينه نفعنا الله به ومن كراماته ما اشتهر عنه أنه أقام بقرة بعد ذبحها وقسم (3) لحمها وسببه أنهم لم يسهموا له الطلبة لأنه كان خديما للطلبة وغير ذلك من كراماته وكان له مزود إذا امتلأ يكفيه ثمانية أيام بلغ الضيوف ما بلغوا ألفا أو أكثر أفاض الله علينا من بركاته وجعلنا في زمرته بمنه وكرمه.
ثم ذهبنا بعد الزيارة وطلبنا عنده ما طلبناه عند الشيخ سيدي يحيى إلى قرية تدلس المحروسة لزيارة سيدي أحمد بن عمر إذ كنت صغيرا وقلبي متعلق به حتى جمع الله بيننا وبينه عام تسعة وسبعين ومائة وألف (1179) فلما وصلنا فرح بنا فرحا عظيما وسر بنا سرورا قويا ودعا لنا بعزم وقوة همة من صميم قلبه وخلاص الاعتقاد وأقمنا ثلاثة أيام فيها مع كرم عظيم وطيب ضيافة وإحسان تام من أهلها عمرهم الله وجعل البركة فيهم.
ثم أن فضلاءها ونجباءها سألوني عن قول بعض الأولياء وقفت بساحل
Página 26
وقفت الأنبياء دونه فزبرت عليه رسالة حسنة بما فتح الله به ارتجالا وكتبت فيه رسالة نحو كراسة صغيرة وقد قلت فيها ما حاصله انه وقف بساحل بعلمه الحقائق وزوال الحجاب عنه بان وقعت له شطحة من شطحات أهل المحو فوقف في ذلك الساحل لعدم تمكنه ورسوخه في علم الشريعة ولا في علم الحقيقة إذ هو متلون لا متمكن من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا لا من المتمكنين الذين اطمأنت قلوبه بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب فوقف في ذلك الساحل وقوف اضطراره لا وقوف أدب لأن صاحب هذا المقام محمول لا حامل وهو ممن ملكه الحال لا انه ملكك حال فكان وقوف الأنبياء دونه أولى وأمكن وأليق لتمكنهم واشتغالهم مع السفرة والوحي هذا بمنزلة الخضر مع موسى عليه السلام وقد كانت علوم عنده لم تكن لموسى عليه السلام مع أن موسى أفضل منه بالإجماع غايته أن تلك مزية والقاعدة المقررة أن المزية لا تقتضي الأفضلية فموسى قد اشتغل بما هو أعظم والخضر خصه الله تعالى بهذا الأمر فلا يكون أولى ولا شك أن الخضر وقف بساحل من العلوم اللدنية والمواهب الكشفية لم يقف موسى بها إذ وقف دونها وهي علم الشريعة ولا شك أن ما يفعله الخضر في بادي الرأي أنه ممنوع شرعا في ظاهر الحال ولذلك قال له لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فإذا علمت هذا علمت مثله في هذا القول من غير شك وقد قررته بوجهين آخرين فاستحسنوا ذلك مني غاية قل بفضل الله تعالى.
ثم ودعونا وفقهم الله وهداهم نحو مسيرة نصف يوم وفي تلك الجماعة عمنا العلامة المحقق الفهامة سيدي محمد الصغير بن رقية والفاضل الكامل سيدي محمد السعيد بن الطالب والمحب للخير وأهله سيدي أحمد بن علي نجل السيخ سيدي يحيى العيدلي وسيدي أحمد الطيب والشيخ الفاضل سيدي مهنا وخديم الصالحين الحاج علي البتروني وغيرهم وتلميذ سيدي محمد السكلاوي الجزائري إذ كان يقرأ
Página 27
علي كبرى الشيخ السنوسي بالشيخ اليوسي قراءة تحقيق في أيام الزيارة وغيرها وشاورنا سيدي أحمد بن عمر على الحج فقال توكلوا على الله.
ثم رجعنا وأخذنا على بني فراوسن بلد الشيخ ابن معطي صاحب ألفية النحو الذي قال فيه ابن مالك «فائقة ألفية ابن معطي» وسيدي محمد الزواوي صاحب المراءي المعلومة صديق سيدي سعيد السفري القسنطيني وصاحبه فنزلنا قرية الجمعة اعني الصهريج وهي قرية عظيمة ذات بساتين وعيون في وسط العمارة نحو مائة عين كما قيل.
ونزلنا عند المعظم سيدي محمد بن القاضي الشريف سلطان زواوة وعاهدنا على الحج ومشى معنا ثم مات رحمة الله عليه بعد خروجنا من المدينة المشرفة ودفن بين الينبع ونقب علي في شهر محرم سنة ثمانين ومائة وألف (1180) ثم أتينا بني بو شعايب (1) وزرنا جملتهم ثم مررنا على بني يحيى وزرنا جملتهم أيضا وتلاقينا مع بعض فضلائهم أولاد الفقيه من قرية ثوفة (2).
وزرنا سيدي علي بن الطالب وهو ولي مشهور كان صبغة في عصره وكان يأتيه الرجل فيبلغ لله تعالى ساعتئذ وزرت قبره مرارا وأني أدركت أصحابه المنورين جملة منهم سيدي أحمد بن عمر وسيدي الموفق ابن أم رزق (3) الصغير إلا أني صغير وهو قد تجرد للعبادة وخدمة طلبة العلم وله كرامات كثيرة وورع شديد صاحب انقباض والمرابط سعيد بن ثيفرين (4) وأني أدركت منه المنى وأنا صغير والولي الصالح سيدي
Página 28
يحيى بن حمود (1) وكلهم أصحاب وقت في عصرهم.
ثم نزلنا قرية الشيخ الفاضل ذي التصانيف الجيدة الولي الكبير والعالم الشهير صاحب وقته المحب للنبي صلى الله عليه وسلم وخليله سيدي أحمد بن مزيان وهي ورجة قرية عظيمة طيبة فيها بساتين وعين جارية وسط داره وله خلوة معلومة له اليد العليا في العلوم كلها المنقول والمعقول وقد خمس البردة (2) ] بحيث لا نفرق بين كلامه والكلام الأصلي (3) وألف كتابا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجد له نظير لأنه ذكر تصاريف اللغة وحاز يد السبق فيها وغير ذلك وله سر عظيم وانفعال جسيم فأين توجه إلا والناس حافون به كلامه له حلاوة وطلاوة (4) وقد تمكن في علم الأوفاق تمكنا كليا مع الكشف التام وقد أخبر عنه أنه لا يفعل شيئا حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم وله كرامات مشهورة وهي أنه أتاه فقير في أيام الحج فقال له والله أن أحج في هذه الأيام فلما ألح على الشيخ وذلك في زمان الخريف أعطى له عنقودا فكمل أكله في مكة المشرفة ثم لما كمل حجه وجد نفسه في داره نفعنا الله به ووله حي أخ لنا وصديق لدينا وهو لا ينتبه لأكثر أحوال الدنيا.
وزرنا (5) صاحب الفضل والفواضل سيدي العزالي جعل الله البركة في أولاده بمنه وكرمه وله أحوال سنية وكرامات ظاهرة سيما إجابة الدعوة وأبوه أقوى وأعظم وقد عمت بركته الداني والقاصي نعم زرنا قبره وبتنا في خلوته وتوضأنا (6) من عينه
Página 29
وقد سمعنا أن ماء زمزم يخرج إليها وانه أيضا لم يبن تلك القرية إلا بإذنه صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك رجعنا إلى دار الشيخ سيدي محمد السعدي والد سيدي أحمد (1) الطيب كان فاضلا عالما عابدا زاهدا ورعا آكلا من عمل يديه طالبا للحلال لأن من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى ومن أكل الحرام عصى الله شاء أم أبى أو كما قال صلى الله عليه وسلم وهو تلميذ الشيخ سيدي أحمد بن مزيان وانفعلت فيه سريرته وظهر عليه آثار أنواره وقد سمعت ممن يوثق به أنه قال لو شئت أن تصير لي الجبال ذهبا لفعلت ولكني اخترت ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه من التقلل في الدنيا ونفض يد القلب منها قطعا والحمد لله على محبة آثارهم ومعرفة أحبابهم رضي الله تعالى عنهم.
ثم بعد زيارته (2) في محله رجعنا إلى بلدنا مارين على الشيخ سيدي يحيى العيدلي عطفه الله علينا وعلى أولادنا وطلبتنا وكل من ينتمي إلينا من الإخوان وغيرهم بمنه وكرمه.
فلما بلغت البيت حدث لي العزم التام نعم أخذنا في التأهب إلى السفر والأخذ في أسبابه واشتهر أمر سفرنا وبلغ أمره أطراف نواحي عمالة الجزائر فقامت لذلك فضلاء الخاصة والعامة ثم وقع النداء في أسواق بلدنا فيمن عزم للسفر.
ثم بعد ذلك عرض لي أمر أوجب لي السفر لوادي بجاية فلما ذهبت إلى الوادي سمع بي جماعة من فضلائها العلامة الفاضل قاضيها تلميذنا سيدي أبو القاسم نجل
Página 30