240

Los viajes de Ibn Battuta

رحلة ابن بطوطة

Editorial

دار الشرق العربي

يا حاج كم سرقت اليوم من النفقة؟ فيقول كذا فنضحك منه ونرضى بذلك. ومن أفعاله الخسيسة أنه مات لنا فرس في بعض المنازل فتولى سلخ جلده بيده وباعه. ومنها أننا نزلنا ليلة عند أخت له في بعض القرى فجاءت بطعام وفاكهة من الإجاص والتفاح والمشمش والخوخ كلها ميبسة وتجعل في الماء حتى ترطب فتؤكل ويشرب ماؤه، افأردنا أن نحسن إليها فعلم بذلك فقال: لا تعطوها شيئًا واعطوا ذلك لي، فأعطيناه إرضاء له، وأعطيناها إحسانًا في خفية بحيث لم يعلم بذلك. ثم وصلنا إلى مدينة بُولي "وضبط اسمها بباء موحدة مضمومة وكسر اللام" ولما انتهينا إلى قريب منها وجدنا واديًا يظهر في رأي العين صغيرًا فلما دخله بعض أصحابنا وجدوه شديد الجرية والانزعاج فجاوزوه جميعًا وبقيت جارية صغيرة خافوا من تجويزها وكان فرسي خيرًا من أفراسهم فأردفتها وأخذت في جواز الوادي فلما توسطته وقع بي الفرس ووقعت الجارية فأخرجها أصحابي وبها رمق وخلصت أنا ودخلنا المدينة فقصدنا زاوية أحد الفتيان الأخية ومن عوائدهم أنه لا تزال النار موقوده في زواياهم أيام الشتاء أبدًا يجعلون في كل ركن من أركان الزاوية موقد النار ويصنعون لها منافس يصعد منها الدخان ولا يؤذي الزاوية ويسمونها البخاري واحدها بخيري. قال ابن جزي: وقد أحسن صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلّي في قوله في التورية، وتذكرته بذكر البخيري:
إن البخيري مذ فارقتمون غدا ... يحثو الرماد على كانونه الترِبِ
لو شِئْتُم أنّه يُمسي أبا لَهَبٍ ... جاءَتْ بغالُكُم حمّالة الحَطَب
قال: فلما دخلنا للزاوية وجدنا النار موقودة، فنزعت ثيابي ولبست ثيابا سواها واصطليت بالنار وأتى الأخي بالطعام والفاكهة وأكثر من ذلك. فلله درهم من طائفة! ما أكرم نفوسهم وأشد إيثارهم وأعظم شفقتهم على الغريب وألطفهم بالوارد وأحبهم فيه وأجملهم احتفالًا بأمره. فليس قدوم الإنسان الغريب عليهم إلاّ كقدومه على أحب أهله إليه. وبنتنا تلك الليلة بحال مرضية، ثم رحلنا بالغداة فوصلنا إلى مدينة كَرَدي بُولي "وضبط اسمها بكاف معقود وفتح الراء والدال المهمل وسكون الياء وباء موحدة مضمومة وواو مد ولام مكسورة وياء" وهي مدينة كبيرة في بسيط من الأرض حسنة، متسعة الشوارع والأسواق من أشد البلاد بردًا. وهي محلات مفترقة، كل محلة تسكنها طائفة لا يخالطهم

1 / 242