189

Rihla

رحلة ابن جبير - الجزء1

Editorial

دار بيروت للطباعة والنشر

Número de edición

الأولى

Ubicación del editor

بيروت

لهم من رحمة الله تعالى ما يحط كثيرا من أوزارهم ويسحب ذيل العفو على سوء آثارهم ويمنع القارعة١ الصماء أن تحل بديارهم لكنهم معهم يضربون في حديد بارد ويرومون تفجير الجلامد فلا يكاد يخلو يوم من أيام جمعاتهم من واعظ يتكلم فيه فالموفق منهم لا يزال في مجلس ذكر ايامه كلها لهم في ذلك طريقة مباركة متلزمة.

١ القارعة: الداهية.
مجالس علم ووعظ
فأول من شاهدنا مجلسه منهم الشيخ الإمام رضى الدين القزويني رئيس الشافعية وفقيه المدرسة النظامية والمشار إليه بالتقديم في العلوم الأصولية حضرنا مجلسه بالمدرسة المذكورة إثر صلاة العصر من يوم الجمعة الخامس لصفر المذكور فصعد المنبر وأخذ القراء أمامه في القراءة على كراسي موضوعة فتوقوا وشوقوا وأتوا بتلاحين معجبة ونغمات محرجة٢ مطربة ثم اندفع الشيخ الإمام المذكور خطب خطبة سكون ووقار وتصرف في أفانين من العلوم من تفسير كتاب الله ﷿ وإيراد حديث رسوله ﷺ والتكلم على معانيه ثم رشقته شآبيب المسائل من كل جانب فأجاب وما قصر وتقدم وما تأخر ودفعت إليه عدة رقاع فيها فجمعها جملة في يده وجعل يجاوب على كل واحدة منها وبنيذ بها إلى أن فرغ منها.
وحان المساء فنزل وافترق الجمع فكان مجلسه مجلس علم ووعظ وقورا هينا لينا ظهرت فيه البركة والسكينة ولم تقصر عن إرسال عبرتها فيه النفس المستكينة ولا سيما أخر مجلسه فإنه سرت حميا وعظه إلى النفوس حتى اطارتها خشوعا وفجرتها دموعا وبادر التائبون إليه سقوطا على يده

٢ المحرجة: أراد بها المشجية.

1 / 195