Rifa'a al-Tahtawi: Líder del Renacimiento Intelectual en la Era de Muhammad Ali
رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي
Géneros
ثانيا:
وأخذ رفاعة تلاميذه أيضا بما أخذ به نفسه من قبل، من إقبال على الترجمة في مختلف العلوم والفنون، فلم تعرف المدرسة ولم يعرف خريجوها التخصص في ترجمة علم بعينه، وإنما كان يفرغ أحدهم من ترجمة كتاب في التاريخ فيعهد إليه بترجمة آخر في الطب ثم ثالث في الكيمياء أو في الجغرافيا وهكذا. ولكننا نلاحظ أن ميول الخريجين الخاصة ووظائف الترجمة التي تولوها بعد تخرجهم قد وجهت كلا منهم إلى نوع من التخصص في الترجمة أو التأليف في علم من العلوم، فاتجه محمود خليفة وأبو السعود ومصطفى الزرابي ومحمد مصطفى البياع إلى ترجمة الكتب التاريخية، واتجه صالح مجدي وأحمد عبيد الطهطاوي إلى ترجمة الكتب الهندسية والحربية، ومحمد الشيمي والسيد عمارة وحسين علي الديك إلى ترجمة الكتب الرياضية، وعبد الله بك السيد ومحمد قدري باشا إلى ترجمة الكتب القانونية والتأليف فيها ... وهكذا.
ورغبة في ترجمة أكبر عدد ممكن من الكتب وإنجاز الترجمة في أسرع وقت، كانت الكتب توزع على المترجمين أجزاء إذا كان الكتاب يتكون من أجزاء كثيرة، أو فصولا إذا كان الكتاب جزءا واحدا. وكان يحدد لكل مترجم وقت معين لإنجاز الترجمة حسب كبر الجزء أو الفصل أو صغره، وكانت تتراوح هذه المدة بين أربعة عشر شهرا وخمسة أشهر.
وكان رفاعة يشرف بنفسه على مراجعة وتصحيح معظم الكتب، إن لم يكن كلها. يشهد بذلك المترجمون من تلاميذه جميعا في مقدمات كتبهم؛ فهذا عبد الله حسين يقول في مقدمة تاريخ الفلاسفة: «فاستعنت في مشكلات الكتاب وتحرير ترجمته بمدير تلك المدرسة البهية.» وهذا خليفة محمود يقول في مقدمة «إتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوروبا»: «وحيث إنها باللغة الفرنساوية من مستصعبات التآليف، ومختصرات التصانيف، استعنت في تذليل صعابها، وكشف نقابها، بمراجعة من لسان القلم في مدحه ووصفه قصير، ومن أتى في مدحه بأبدع مقال فإنما هو آت بيسير من كثير، حضرة رفاعة أفندي مدير مدرسة الألسن، حيث التوقف والحاجة إلى ذلك، وهو أيضا الذي صححها على أصلها وقابلها كل المقابلة. فبهذا كانت خير ترجمة، لا سيما من أمثالي؛ حيث إنه لم يكن لي في مدرسة الألسن غير سنتين، في اشتغالي بهاتين اللغتين ... إلخ.» وقال في مقدمة «إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شارلكان»: «بذلت الهمة في تعريبه وتنقيحه وتهذيبه، وازداد تهذيبا بمقابلته مع رب البلاغة والتدقيق، من أوتي في هذا الفن مفاتيح كنوز الحقيقة والتحقيق، حضرة رفاعة أفندي ناظر قلم الترجمة ... إلخ.»
ولم يكن من المستطاع أن يقوم رفاعة بمراجعة وتصحيح كل الكتب المترجمة - على كثرتها واختلافها - بنفسه؛ ولهذا أخذ بعد حين يشرك معه في هذا العمل بعض مدرسي المدرسة ومصححيها، وخاصة الشيخ محمد قطة العدوي. قال أحمد عبيد الطهطاوي في خاتمة كتاب «الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر»: «يقول مترجمه: لقد صرفت في ترجمته - على صعوبته - الهمة، وسهرت في مطالعته وفهمه الليالي المدلهمة، واستعنت - فيما حواه من المشكلات، وما اشتمل عليه من المعضلات - بمراجعة صاحب الرفعة رفاعة بك ناظر قلم الترجمة، وتصحيح غالبه بمعرفة العلامة الشيخ محمد قطة العدوي.» وقال حسن قاسم في كتاب «تاريخ ملوك فرنسا»: «وكان تصحيح هذا الكتاب الفائق ... بمعرفة حضرة العلامة الأوحد، سعادة الميرالاي رفاعة بك الأمجد، وعلى يد المستنصر بربه القوي، محمد قطة العدوي، مصحح قلم الترجمة ...»
وممن شارك مشاركة جدية في مراجعة وتصحيح الكتب التي ترجمت في مدرسة الألسن وقلم الترجمة: الشيخ أحمد عبد الرحيم الطهطاوي كبير مصححي الألسن، فقد عين في المدرسة منذ إنشائها، ولم يطبع من كتبها كتاب «إلا طالعه وتصفحه، وقابله وصححه، وهو يشتغل ليلا ونهارا ...»
أما اختيار الكتب التي تترجم فقد كان موكولا لرفاعة بك. وقد بدأ كما ذكرنا فاختار لتلاميذه بعض الكتب التي قرأها ودرسها وهو في باريس ككتاب «تاريخ الفلاسفة اليونانيين»، وكتاب «بداية القدماء وهداية الحكماء»، وكتاب «دي مارسيه» في المنطق الذي ترجم بعنوان: «تنوير المشرق بعلم المنطق» ... إلخ ... إلخ.
غير أنه كان يحدث أحيانا أن يكتب ديوان المدارس إلى مدرسة الألسن مشيرا بترجمة كتب معينة. وإذا قلنا ديوان المدارس فإنما نعني في الواقع مديره أدهم بك، فقد كان رجلا مثقفا واسع الثقافة، وخاصة في اللغة الفرنسية والعلوم الرياضية والحربية؛ ولهذا نلاحظ أن معظم الكتب التي أشار ديوان المدارس بترجمتها كانت إما كتبا رياضية وإما كتبا في الرحلات. قال السيد أفندي عمارة في مقدمة كتاب «تهذيب العبارات في فن أخذ المساحات»: «فمذ حللت كغيري بتلك المدرسة (الألسن) اجتنيت من ثمر اللغة العربية والفرنساوية أنفسه، بإرشاد ناسج حلة بردها، وناظم جوهر عقدها ... العلامة السيد رفاعة أفندي بدوي رافع، فلما علم مني الرغبة في التحصيل ... حباني من فضله إمداده، إلى أن بلغت المأمول وزيادة، وأمرني - عملا بما صدر من ديوان المدارس المصرية - أن أترجم كتابا للمؤلف «لوكوه» يتضمن بيان المسافات وفن أخذ المساحات ... إلخ.» وقال سعد نعام في مقدمة «سياحة في أمريكا»: «قد صدر الأمر بتعريبه، وتفسير تراكيبه، من ديوان المدارس المصرية، التي هي بكسب العلوم حرية، بأنفاس مديرها حضرة البك المفخم، سعادة ميراللوا إبراهيم أدهم ... إلخ.»
وقال إبراهيم مصطفى البياع (الصغير) في مقدمة «سياحة في الهند»: «هذه خدمة يسيرة، وتعريب رحلة صغيرة، للمؤلف «أوبير ثرولد»، ألفها في سياحته إلى بلاد الهند، وجدت في كتبخانة حضرة البك المفخم مدير المدارس ... سعادة أمير اللواء أدهم بك ... فصدر الأمر بترجمتها من الديوان، إلى حضرة علامة الزمان، من رقي في مراقي الشرف أرفع محل وأعظمه، حضرة أمير الآلاي رفاعة بك ناظر قلم الترجمة، فعينني - حفظه الله - لترجمتها ... إلخ.»
ويبدو لي أن رفاعة كان يراعي رغبات وحاجات الوالي والحكومة والمدارس في اختيار الكتب التي تترجم، ولكنه كان يتخير الكتب التاريخية تبعا لخطة خاصة رسمها لنفسه؛ فإنه يتضح من مراجعة هذه الكتب أنه كان يريد أن يترجم كتبا مختلفة تغطي تاريخ العالم منذ أقدم العصور حتى أحدثها. وإن كان تاريخ فرنسا قد حظي منه بعناية خاصة، فقد ترجم فيه أكثر من كتاب، ولعل هذا راجع لثقافة رفاعة الفرنسية وميله إلى هذه الدولة، أو للعلاقات التي كانت تربط بين مصر وفرنسا منذ نزلت بأراضيها الحملة، أو لاستعانة محمد علي بالفرنسيين في إصلاحاته وإيثاره فرنسا بإيفاد معظم البعثات إليها.
Página desconocida