Libro de la Apostasía
كتاب الردة
Editor
يحيى الجبوري
Editorial
دار الغرب الإسلامي
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
Ubicación del editor
بيروت
قَالَ: وَنَظَرَتْ قَبَائِلُ كِنْدَةَ إِلَى خَيْلِ عِكْرِمَةَ وَقَدْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهِمْ، فَصَاحُوا بِالأَشْعَثِ، مَا تَرَى هَذِهِ خَيْلُ عِكْرِمَةَ قَدْ أَشْرَفَتْ، وَنَحْنُ تَعِبْنَا وَخَيْلُنَا قَدْ كَلَّتْ، وَعَامَّتُنَا جَرْحَى. قَالَ: فَشَجَّعَهُمُ الأَشْعَثُ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَاخْتَلَطَتْ خَيْلُ عِكْرِمَةَ وَخَيْلُ زِيَادٍ، فَصَارُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَاجْتَمَعُوا وَحَمَلُوا عَلَى الأَشْعَثِ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَزُلْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِهِ، لَكِنَّهُمْ أَشْرَعُوا الرِّمَاحَ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ جَالَتِ الْخَيْلُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ فُرْسَانِ الأَشْعَثِ، يُقَالُ لَهُ عَرْفَجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الذُّهْلِيُّ، فَحَمَلَ عَلَى خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْ طِعَانِهِ، قَالَ:
فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي فُؤَادِهِ فَقَتَلَهُ، فَصَاحَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا فَقَدْ أَخْمَدَ اللَّهُ جَمْرَةَ كِنْدَةَ بِقَتْلِ عَرْفَجَةَ الذُّهْلِيِّ.
قَالَ: وَتَقَدَّمَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ حَاسِرَ الرَّأْسِ، وَطَلَبَ الْبِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عِكْرِمَةُ، فَجَالا ثُمَّ الْتَقَيَا بِطَعْنَتَيْنِ وَلَمْ يَصْنَعَا شَيْئًا، فَرَمَى كُلُّ وَاحِدٍ بِرُمْحِهِ مِنْ يَدِهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى قَائِمِ سَيْفِهِ، ثُمَّ الْتَقَيَا بِضَرْبَتَيْنِ، بَدَرَهُ الأَشْعَثُ بِضَرْبَةٍ قَدَّ بِهَا بَيْضَةَ عِكْرِمَةَ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ النُّعْمَانِ بْنُ الْحَارِثِ، حَمَلَ عَلَى الأَشْعَثِ فَطَعَنُه طَعْنَةً مُنْكَرَةً، حَتَّى كَادَ الأَشْعَثُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ فَرَسِهِ.
قَالَ: وَجَعَلَ الأَشْعَثُ يُقَاتِلُ، وَكُلَّمَا حَمَلَ بِفَرَسِهِ عَلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا زِيَادٌ يَنْحَازُ زِيَادٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ إِلَى غَيْرِهِ. وَهَبَّتْ رِيحٌ وَثَارَ الْعَجَاجُ، فَلَمْ يُبْصِرِ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَحَسَرَ الأَشْعَثُ عَنْ رَأْسِهِ، وَنَادَى: الصَّبْرَ الصَّبْرَ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ صَبَرُوا لَكُمْ.
قَالَ: وَلَمْ يَزَلِ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ حَمَلُوا عَلَى الأَشْعَثِ وَأَصْحَابِهِ، كَحَمْلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَهَزَمُوهُمْ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى حِصْنِهِمُ الأَعْظَمِ.
قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ وَأَصْحَابُهُ إِلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ. وَأَقْبَلَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَالْمُهَاجِرُ بن أمية، وجميع المسلمين، [٣٩ أ] حَتَّى نَزَلُوا/ عَلَى الْحِصْنِ فَأَحْدَقُوا بِهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَى مَنْ فِي
1 / 204