Richard Feynman: Su vida en la ciencia
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Géneros
ما أوضحته نويثر، التي لم تستطع نيل أي منصب جامعي لكونها امرأة، أنه مقابل كل تناظر موجود في الطبيعة، لا بد أيضا من وجود كمية «محفوظة»؛ أي لا تتغير مع مرور الزمن. وأشهر أمثلة ذلك مبدأ حفظ الطاقة وحفظ الزخم. كثيرا ما يتعلم الطلاب في المدارس أن تلك الكميات محفوظة لا تتغير، ولكنهم يلقنون هذا وكأنه معتقد إيماني. إلا أن نظرية نويثر تخبرنا أن حفظ الطاقة يحدث لأن قوانين الفيزياء لا تتغير مع مرور الزمن - فهي اليوم كما كانت بالأمس - وحفظ الزخم ناشئ عن عدم تغير قوانين الطبيعة من نقطة إلى أخرى؛ فالقوانين واحدة سواء أجرينا التجارب في لندن أو في نيويورك.
صارت محاولة استخدام تناظرات الطبيعة في تقييد القوانين الأساسية لعلم الفيزياء أو التحكم فيها أكثر شيوعا في بداية الخمسينيات مع ظهور عدد ضخم من الجسيمات الأولية الجديدة في المعجلات أرغم الفيزيائيين على البحث عن نظام ما وسط تلك الفوضى الظاهرية. تركزت الجهود في البحث عن كميات لا يبدو أنها تتغير عندما ينحل أحد الجسيمات ويتحول إلى جسيمات أخرى. وكان الأمل معقودا على أن تسمح مثل هذه الكميات المحفوظة للفيزيائيين بالعمل في اتجاه عكسي لاكتشاف التناظرات الكامنة في الطبيعة، وأن تتحكم تلك التناظرات عندئذ في الشكل الرياضي للمعادلات التي ستصف قوانين الفيزياء ذات الصلة. وقد تحقق هذا الأمل.
حقق جيلمان الشهرة في البداية حين اقترح عام 1952 أن الميزونات الجديدة - التي كان إنتاجها بالغ القوة غير أن انحلالها كان بالغ الضعف - تسلك هذا السلوك لأن كمية ما مرتبطة بالجسيمات الجديدة تبقى محفوظة في التفاعل القوي. وقد أطلق على هذه الكمية الغريبة الجديدة - ربما على نحو غير ملائم - اسم «الشذوذ». غير أن محرري دورية فيزيكال ريفيو المحافظين، وهي الدورية التي نشر فيها أفكاره أول مرة، اعتقدوا أن هذا الاسم الجديد غير ملائم لمطبوعة متخصصة في الفيزياء، ورفضوا استخدامه في عنوان بحثه حول الموضوع.
كانت حجة جيلمان على النحو الآتي: لما كان الشذوذ كمية محفوظة، فلا بد أن تنتج الجسيمات الجديدة في صورة أزواج - جسيمات وجسيمات مضادة - ذات قيم متساوية ومتضادة من هذا «العدد الكمي» الجديد. حينئذ ستكون الجسيمات ذاتها مستقرة بصورة مطلقة؛ لأن الانحلال إلى جسيمات «غير غريبة» من شأنه أن ينتهك قانون الكمية المحفوظة هذا - مغيرا «رقم الشذوذ» بمقدار واحد صحيح - إذا كانت القوة النووية القوية هي الوحيدة التي تعمل. ولكن إذا لم تذعن القوة الضعيفة - وهي القوة المسئولة عن انحلال النيوترونات والتفاعلات التي تمد الشمس بالطاقة - لقانون الكمية المحفوظة هذا، فإن القوة الضعيفة يمكنها أن تحث انحلال تلك الجسيمات الجديدة . ولكن لأن القوة ضعيفة، فإن الجسيمات ستعيش عمرا طويلا قبل أن تنحل.
بقدر ما كانت هذه الفكرة جذابة، فإن النجاح في الفيزياء لا يقوم على الاستنتاج فقط. فما الذي يمكن للفكرة التنبؤ به بحيث يسمح باختبارها؟ في الواقع، كان هذا هو رد الفعل المباشر في أوساط العديد من زملاء جيلمان. وعلى حد تعبير ريتشارد جاروين، وهو عالم فيزياء تجريبية عبقري لعب دورا أساسيا في ابتكار القنبلة الهيدروجينية: «لست أفهم في أي شيء يمكن أن تفيد هذه الفكرة.»
وحدثت الطفرة عندما أدرك جيلمان أن هذا العدد الكمي للشذوذ يمكن استخدامه في تصنيف مجموعات من الجسيمات الموجودة، حتى إنه توصل لتنبؤ أغرب. فقد تنبأ بأن جسيما متعادلا يسمى «كيه-صفر» لا بد أن يكون له جسيم مضاد، هو «كيه-صفر المضاد»، يختلف عنه. ولما كانت معظم الجسيمات المتعادلة الأخرى، مثل الفوتون، مكافئة لجسيماتها المضادة، فإن هذا الطرح كان غير اعتيادي، على أقل تقدير. ولكن ثبتت صحته في نهاية المطاف، وصارت منظومة كيه-صفر-كيه-صفر المضاد وسيلة اختبار رائعة لاستكشاف علم فيزياء جديد، مرسخة سمعة جيلمان بين جيل علماء فيزياء الجسيمات الصاعد في ذلك الحين.
بعد تقديمه لمفهوم «الشذوذ»، ووفاة فيرمي، بدأ جيلمان يتلقى عروضا للعمل خارج شيكاجو. كان راغبا في الانتقال إلى كالتك للعمل مع فاينمان، وشجعته كالتك على اتخاذ القرار بمضاهاة العروض المتنافسة بالإضافة إلى جعله، وهو بعد في السادسة والعشرين من عمره، أصغر أستاذ كامل الأستاذية في تاريخها. وكان الأمل يحدوها ألا يكون هذا هو آخر حدث تاريخي يصنعه جيلمان، مع فاينمان، للجامعة.
جمعت بين فاينمان وجيلمان علاقة شراكة رائعة قامت على التبادل الفكري. كان الرجلان لا يكفان عن المجادلة في مكتبيهما، وهو نوع من الجدل الودي، سماه جيلمان فيما بعد: «استفزاز الكون»، وهما يحاولان الكشف عن أحدث الألغاز في طليعة علم فيزياء الجسيمات. وكان لتلك المجادلات أثرها على طلابهما وكذلك على الباحثين الحاصلين على درجة الدكتوراه. إنني أتذكر حين كنت باحثا شابا في هارفارد، حيث عملت مع شيلدون جلاشو، أحد تلامذة شفينجر وأحد الفائزين بجائزة نوبل، وكانت لقاءاتنا يتخللها مزيج من الحجج والمناقشات والضحكات. كان جلاشو باحثا حاصلا على درجة الدكتوراه في كالتك مع جيلمان، وأظن أنه تأثر بشدة بأسلوب المناقشة الذي شهده هناك، والذي أصبحت أنا أحد المستفيدين الإضافيين اللاحقين منه، وآمل أن يكون هذا هو حال طلابي أيضا. كانت الشراكة بين فاينمان وجيلمان أيضا اقترانا مضطربا بين ضدين. كان جيلمان نموذجا مثاليا للعالم المثقف، ولم يكن فاينمان كذلك. وكان جيلمان، بطبيعته، ميالا لنقد الناس ونقد أفكارهم، ودائم الانشغال بالأولوية الفكرية. أما فاينمان فلم يكن يحتمل الهراء أو التنميق المتباهي في الفيزياء وكان يقدر الموهبة، ولكن عندما كان يسبقه أحد في التوصل لفكرة ما - كما ذكرت من قبل - فقد كان أكثر ما يعنيه هو هل كان مصيبا أم مخطئا، وليس من الذي نال التقدير في النهاية. لقد كانت شراكة مثيرة بحق، ولكن كان مقدرا لها - بسبب الاختلاف في شخصيتهما وأسلوبهما - أن تواجه المتاعب في النهاية، لكن ليس على الفور.
غير أن ذلك كان وقتا اقترب فيه كلا العالمين من ذروة إبداعهما. كان جيلمان قد بدأ لتوه في إحداث ثورة في عالم الجسيمات الأولية، وكان فاينمان قد أكمل لتوه ثورته في ميكانيكا الكم. وعندما بدآ العمل معا، كانت مشكلة فيزيائية مزعجة أخرى قد ظهرت بالفعل، وكانت مرتبطة أيضا إلى حد ما بالجسيمات الغريبة الجديدة التي كان جيلمان عاكفا على تصنيفها. كانت تلك المشكلة أكثر غموضا بكثير من مشكلة الأعمار بالغة الطول التي فسرتها نظرية جيلمان. لقد كانت تتعلق بواحد من أكثر تناظرات الطبيعة التي تميز العالم المادي شيوعا وبدهية.
في مرحلة ما من طفولتنا نتعلم جميعا التفريق بين اليمين واليسار. الأمر ليس سهلا، وقد اعتاد فاينمان أن يقول لطلابه إنه كان في بعض الأحيان يضطر للنظر إلى الشامة الموجودة على يده اليسرى ليتأكد. هذا لأن الفارق بين اليسار واليمين أمر تقديري . فلو أطلقنا على كل شيء كنا نسميه يسارا يمينا، وعلى كل شيء كنا نسميه يمينا يسارا، فما الذي سيتغير فيما عدا المسميات؟
Página desconocida