============================================================
ورأيت كل صنف منهم يزعم أن النجاة لمن تبعهم، وأن الهلاك لمن خالفهم وهكذا يلعب الخلاف دورا خطيرا في تعقيد النفوس، واستمساكها برأيها ، ومحاولتها إلباس الباطل ثوب الحق، وعلى أحسن تقدير فالخلاف يشغل الأمة كلها بالجدل حول الآراء المتباينة، وما أفلح قوم كانت غايتهم الجدل.
على أن التدهور الخلقي قد يصيب طوائف العلماء والزهاد والعباد فتفسد نواياهم، ويضل سعيهم، ويضلون غيرهم شعروا املم يشعروا.
وأساس الضلال كله كما يقول الإمام المحاسي في مقدمة وصاياه هو : اتباع
اهوى، فهو يعمي عن الرشد، ويضل عن الحق، ويطيل المكث في الغرة" (1) .
وإذا كان الاجماع قد انعقد على أن سبيل النجاة في التمسك بتقوى الله ، وأداءا فرائضه، والورع في حلاله وحرامه، وجميع حدوده، والإخلاص لله تعالى بطاعته والتأسي برسوله عالله ، فهل اجتمعت كلمة العلماء على رأي واحد يعصم الناس من المتاهات المردية؟ وفي هذا المجال تدع الإمام المحاسبي يجيب على هذا التساؤل إجابة خبير عجرب، قال (2) : طلبت معرفة الفرائض والسنة عند العلماء بالآثار ، فرأيت اجتماعا واختلافا ووجدت جميعهم مجتمعين على أن علم الفرائض والسنة عند العلماء بالله وأمره، الفقهاء عن الله، العاملين برضوانه، الورعين عن محارمه، المتأسين برسوله عليه الصلاة والسلام".
النجاة إذن هي الغاية ، وأخلاق النبوة ووالتحقق بها هي الوسيلة، هكذا استقرت بالامام المحاسبي رحلته الفكرية والحجسدية الطويلة التي حددها في مقدمة وصاياه، وشتان بين تلك الغاية والغاية التي حددتها النفس الخادعة لسائر العلماء، وحددت هم وسائل الوصول إليها (2) .
(1) الوصايا 19.
الوصايا 30.
(3) أنظر الباب الأربعين من الوصايا، حيث فصل المحاسبي آفات العلماء .
Página 11