Response to Dr. Abdul Wahid Wafi in His Book Between Shia and Sunni
الرد على الدكتور عبد الواحد وافي في كتابه بين الشيعة وأهل السنة
Editorial
إدارة ترجمان السنة
Ubicación del editor
لاهور - باكستان
Géneros
بين الشيعة وأهل السنة
تأليف / إحسان إلهي ظهير
رئيس تحرير مجلة "ترجمان الحديث" لاهور - باكستان
والأمين العام لجمعية أهل الحديث - باكستان
Página desconocida
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المعصومين، وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن مصر قلعة من قلاع الإسلام وحصن من حصونه، وإنها لمهد للحضارة الإسلامية، معهد للعلوم والفنون، وهي بلد الأزهر، وموطن العلماء، وإنها لمحط أنظار المسلمين، ومهوى أفئدتهم وقلوبهم، كما أنها كانت ولا زالت كعبة عشاق العلم وطلابه، ومورد رواد الفكر ومشتاقي الإدراك والمعرفة، وهي مقر الكتاب، ومستقر الدعاة، وموطن الفقهاء، ومنبت المحدثين، لها ماضيها المجيد وحاضرها الحميد، ينظر إليها المسلمون في كل قطر من أقطار الأرض، وبقعة من بقاعها. . نظرة إكبار وتقدير لما لها من أياد بيضاء في إنارة الفكر الإسلامي وإضاءة الطرق أمام منتهجيها وسالكيها، فينظرون إلى كل ما صدر منها نظرة الثقة والاعتماد والتصديق لأصالة علومها، ورسوخ علمائها فيها، ولتحملهم أعباء الدعوة بوجوهها الصحيحة. وأسسها الأصيلة. وقواعدها المتينة الرزينة. . بالأمانة العلمية والمسئولية الدينية، مع اعتقادهم أن لا عصمة لأحد بعد نبي الله خاتم المعصومين وسيد المرسلين، ولا بد للعالم من زلة وهفوة، كما أنه لا بد للفارس من كبوة، فغفر الله لمقترفيها بغير قصد، ومرتكبيها بدون تعمد: ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. . .﴾ (١).
_________
(١) سورة البقرة: الآية ٢٨٦
1 / 5
ولكن لم يكن ليخطر على بال أحد أن علمًا من أعلامها، ورجلًا من رجالاتها، يحمل قلمًا في يوم من الأيام، ليكتب في موضوع حساس عويص، له أبعاده وأخطاره - وهو لا يعرف عنه شيئًا - وعفا الله عنه إن لم يكن يعرف - ولا أظنه يعرف - لأنه لا يتصور من أمثاله أن يخاطر بنفسه، ويقع في مثل هذه المزالق، التي قد تذهب به وبآثاره الماضية في مكان سحيق لا يتوقع النجاة منه، ويهدم به ما بناه من أمجاد وما أداه من خدمات إلى حيث لا يرجى استرجاعها، ويا ليتني لم أقرأ له هذه الرسالة أو يقع نظري على تلك الفقرة، التي يقرر فيها: أنه لم يدخر وسعًا في بحثه، في تحري الحقيقة! مع أنه لم يتحر الحقيقة، ولم يبذل وسعه في البحث، وإن كان هذا هو وسعه، أظهره في كتيبه، الذي نحن بصدد ذكره الآن، فما أظنه على سعة وسعه الذي بذله في كتبه الكثيرة التي نشرت قائمته في آخر كتيبه، مفخرة لعلمه وشرفًا لآثاره. .!
وإذا كان هذا هو مفهوم تحري الحقيقة عنده في هذه الرسالة فلا بد أن تتلاشى الحقائق عند من يقف على كتبه ومنشوراته!
لقد سمعت الكثير عن علم الدكتور علي عبد الواحد وافي وحدثني عنه العديد من الأصدقاء حتى دفعني الشوق إلى لقائه، فإذا أنا أطرق باب مصر وأدخلها طالبًا للعلم، ومكتسبًا فضائلها، ومغترفًا من بحارها، ممنيًا النفس باقتناء طرف من علومها ومعارفها، متشوقًا إلى آثارها ومعالمها، وإلى كتبها وكتّابها، ومبتغيًا طرائفها ونفائسها، وأثناء ترددي على مكتباتها، باحثًا عن الكتب الفاطمية وعن الوثائق الإسماعيلية التي أشتغل بالكتابة عنها، التفت إلى كتيب صادر منذ فترة وجيزة لذلك الشيخ الذي تحدث عنه المتحدثون، وسمع به السامعون، تحت عنوان: "بين الشيعة وأهل السنة".
ولقد جذبني عنوان الكتيب إليه، لما ابتليت بالقوم ابتلاء طويلًا، كما زادني انجذابًا إليه. . اسم كاتبه، فمؤلفه دكتور في الآداب من جامعة باريس، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، وعميد كلية العلوم بجامعة أم درمان، وعميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل كلية الآداب، ورئيس قسم الاجتماع بجامعة القاهرة سابقًا - عفا الله عما سلف - فنسيت
1 / 6
كتب الفاطمية والفاطميين، واشتغلت بتقليب أوراق الكتيب، ولم أبخل بشراء نسختين منه، ظنًا مني أن مثل فضيلته لا يكتب إلا بعد إلمام بالموضوع إلمامة كاملة، وإدراكه له حق الإدراك، وبعد معرفته بجوانبه كله، وتعمقه في سبر أغواره، وزيادة على ذلك دعواه في بداية مقدمته بأنه لم يدخر وسعًا في بحثه هذا. . في تحري الحقيقة، وأيضًا. . فقد سمعت من قبل من بعض المحبين له ولي أنه شرع في كتابة هذا الموضوع!. . فعدت بنسختين من كتابه إلى الفندق الذي نزلت به، عاجلًا. . شوقًا إلى لقياه من خلال كتيبه هذا، الذي يعد بالنسبة لي أول تصنيف له أطالعه وأقرأ فيه - فيا لحسرتي، وأسفًا لشوقي، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه - ولقد خاب أملي في الاستفادة منه، بل انقلبت إلى التأسف والندم .. فيا ليتني لم أقرأ شيئًا لفضيلته، واكتفيت بالسماع عنه بدل الالتقاء به من خلال رسالته هذه، ولكن ليس السمع كالمعاينة، وليس من راء كمن سمعا، ولعل كتب فضيلته الأخرى لا تكون على شاكلة هذا المؤلف، من بذل الوسع في البحث تحريًا للحقيقة مثل هذه الرسالة، والله غافر السيئات ومكفر الخطايا، وإنه لستار العيوب.
. وإني لعلى يقين، بأن فضيلة الدكتور كلف نفسه عناء لم يستطع حمل أعبائه في هذا العمر الأخير، حيث تضعف القوى، وتتوانى الهمم، وتكل العزائم، وينفلت زمام المبادرة من يد الفارس المغوار، كما ينفلت زمام العلم والفكر. . من يد العالم المبصر، فهو لطول حياته قد خانه البصر الحسير الكليل، وأعياه الزمان، وأقعده الدهر، وخانته الذاكرة، وله العذر .. ! ولولا هذا لما كتب ما كتب، ولما ألف ما ألف، ولم يبد فيه ما أبدى من العجائب والغرائب، ومن المضحكات والمبكيات، من الأخطاء الصريحة والأغلاط الفاحشة، ولم يصل إلى ما وصل إليه من الحكم والرأي في الشيعة ومعتقداتهم، ولم يرض ما تقوَّله بدون علم وبدون معرفة. ونحن مأمورون بألا نقول بدون علم، ولا نتكلم بدون معرفة: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا﴾ (١).
_________
(١) سورة الإسراء الآية٣٦
1 / 7
وخاصة في مثل هذه المباحث التي تسبب تضليل كثير من الناس، وإيقاعهم في المتاهات والضلالات، بسبب زلة عالم وهفوة كاتب، اعتمادًا على من قرءوا له، وثقة لما سمعوا به عنه، وعلى ذلك يخاف أخوف ما يخاف من غلطة عالم وزلته - سامحه الله على ما كتب وغفر لنا وله إنه لغفور رحيم وعفو كريم -.
هذا ولا أدري ما هي الأسباب التي دفعت فضيلة الدكتور وافي إلى أن يكتب هذه الرسالة؟ وكان في غنى عن أن يكتبها، حيث أنه يجهل أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية وأسسه التي قام عليها، وليس عنده من كتب القوم شيء - كما يظهر من قراءة رسالته هذه - حتى يستطيع أن يعلم ما جهل، ويعرف ما لم يعرف، ثم يصل إلى الحكم فيهم، وفي عقائدهم ومذهبهم - ﴿ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ..﴾ (١) - لأنه في كتيبه هذا .. لم ينقل عبارة واحدة من كتب القوم أنفسهم رأسًا وبلا واسطة، اللهم إلا ما نقله من الذين كتبوا عنهم، نقلًا محضًا بدون تعقل ولا تبصر، مع ادعائه بأنه حقق آراءهم من أوثق المصادر لديهم (٢).
فإن كان قصده النقل المحض عن الآخرين الذين كتبوا عن الشيعة، فما فائدة كتاباته إذن، وكفى الله المؤمنين القتال؟
ومن غرائب الأشياء أن فضيلته يضع في آخر هذه الرسالة قائمة لأهم المراجع عن الشيعة، يذكر فيها كتبًا كثيرة مع أنه - حفظه الله - لم ينقل عن واحد منها عبارة واحدة بلا واسطة، كما لم يرد ذكر لكثير منها في الكتيب ولو بواسطة، ولولا حسن ظني به حسب ما أمرنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام " ظنوا بالمؤمنين خيرًا " (٣). لذهب بي الخيال إلى افتراض دوافع
_________
(١) سورة البقرة الآية٢٨٦
(٢) بين الشيعة وأهل السنة ص٢٠ تحت عنوان "موضوع البحث وأغراضه"
(٣) وقد قيل: إنه من قول عمر بن الخطاب. انظر: كتاب خطبه ووصاياه للدكتور محمد عاشور
1 / 8
كثيرة إجابة لأسئلة محيرة .. ما الذي جعل الشيخ يكتب كتيبًا، ربما يقضي على كل ما كتبه سابقًا من الكتب القيمة - حسب رجائي وتمنياتي - وتركه من الآثار الطيبة؟، وما الدوافع إلى أن يهدم في عمره الأخير كل ما بناه في ماضيه وسالف أيامه وهو يعلم ما نبه الله المؤمنين العاملين عليه بقوله: ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا ..﴾ (١).
وهذا هو حسن ظني به والذي يجعلني أقف منه موقف المعتذر عنه أن ما ذهب إليه في رسالته كلها، ما صدر منه .. إلا لعدم المعرفة والعلم بأشياء، هي ثابتة في كتب القوم وعقائدهم، وإن فضيلة الدكتور لم يبرئ ساحة الشيعة عن العقائد التي يعتقدونها، وعن الآراء التي يحملونها، ولم يدافع عنهم إلا عن جهل لا لشيء آخر - وإني لأعتذر عن هذه الكلمة الشديدة - لأنه لا يدفع الأوهام عنه إلا هذه الكلمة التي وإن كانت لكبيرة، فهي التي تدفع عنه الظنون والشبهات. في زمان كثرت فيه الأقلام المستأجرة وشاع فيه الكلام المأجور، وإلا فهل يتصور من عالم يعلم أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية أو الجعفرية كما يسميهم الدكتور وافي، ويعلم أسس شريعة الله التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه ويعتقد بها المسلمون أي أهل السنة بالذات. ثم يكتب "بأن الخلاف بيننا وبينهم - مهما بدا في ظاهره كبيرًا - لا يخرج في أهم أوضاعه عندنا وعندهم عن حيز الاجتهاد - المسموح به" (٢)!.
فيا للسذاجة والطيبة، ويا للجهل وعدم معرفة الأمور، من رجل ذاع صيته وعمت شهرته، فمتى كانت الأحكام بهذه السذاجة وبهذه الطيبة؟ فهل يمكن لفضيلة الدكتور أو لغيره أن يثبت من كتاب واحد من كتب الشيعة، التي كتبت لبيان مذهب السنة، وتعريفه للشيعة، أن يكون الحكم فيه كهذا أو شبيهه في أهل السنة؟
كلا ورب الكعبة لم يصدر مثل هذا الحكم عن أهل السنة في كتاب
_________
(١) سورة النحل الآية٩٢
(٢) الرسالة المذكورة ص٤
1 / 9
شيعي على مر الزمان ومدى التاريخ، حتى ولا في كتاب دعاية كتب على التقية والمداراة والمسايرة!!.
فما الذي دفع فضيلة الدكتور علي عبد الواحد وافي عضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، بأن يكون اجتماعيًا مع الذين لا يؤمنون بالاجتماع، وأن يدافع عنهم في بلدة سنية صانها الله وأهلها من النيل من كرامة خلفاء النبي الراشدين، الهداة المهديين، رفاقه الخيرة وأصحابه البررة، وأزواجه أمهات المؤمنين؟ البلاد التي وقاها الله وحفظها وطهرها من أناس طالما وقعوا في أسلاف هذه الأمة وقادتها وزعمائها، وطعنوا وما يزالون يطعنون في خيار خلق الله وصفوته، حملة هذه الشريعة المطهرة، ونقلة هذا الدين الحنيف، وحفظة القرآن، ورواة سنة نبينا المختار صلوات الله وسلامه عليه، نعم ماذا يريد فضيلته بدفاعه عن هذه الطائفة، الذين جعلوا القرآن عضين، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوه مهجورًا؟ واعتقدوا بعدم حفظه وصيانته من وقوع التغيير والتحريف فيه، وكفروا جميع من نقلوا أخبار الرسول ﷺ إلى الناس وحملوها إلينا، وجعلوا الكذب شعارً ودينًا.
وكيف يسوغ له أن يبرئ ساحتهم من الاعتقادات التي يحملونها، ويدينون بها، وهي أساس مذهبهم وديانتهم، بكل سذاجة وبكل طيبة، وبكل جرأة؛ ملتمسًا لهم الأعذار التي لم يلتمسوها لأنفسهم قط، ومخترعًا لهم المعاذير التي لم يرضوها لهم، في بلدة سنية خالية من الشيعة والتشيع بعد ما ذاقت الأمرين في عصر من ماضيها أيا تسلط طائفة (١) منهم عليها، وشهدت مساجدها وجوامعها المجالس العديدة التي كانت توجه فيها للسباب والشتائم إلى سادة أصحاب محمد ﷺ، ووزرائه وخلفائه على ملأ من الأشهاد، وعلى مرأى من المسلمين ومسمعهم؟
هل عن قصد أو تعمد؟ - لا جعلنا الله نعتقد فيه هذا الاعتقاد - أم عن
_________
(١) أي أيام الفاطميين الذين يذكرهم الدكتور وافي في كتيبه هذا بأنه لم يكن مذهبهم بعيدًا كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن وجوه الخلاف بينه وبينهم لتزيد كثيرًا عن وجوه الخلاف بين أهل السنة بعضهم مع بعض (ص١٥) وسيأتي بيان ذلك قريبًا في محله إن شاء الله
1 / 10
عدم فهم ومعرفة؟ - وهذا هو الظن الغالب - ولكن كان عليه أن يتعقل قبل الإقدام من عواقبه الوخيمة، ويتبصر في نتائجها السيئة حيث أن كثيرًا من الشباب الذين يجهلون التشيع كليًا، ولا يعرفون حقيقته قليلًا أو كثيرًا - سيقعون في شراكهم وحبائلهم الممدة والمنصوبة من كل ناحية وفي كل جانب لإيقاعهم فيها ولاصطيادهم، وخاصة في هذه الآونة الحرجة التي كثرت فيها الدعايات المزورة، ونشط فيها التبشير الشيعي، وازداد غزوه للبلاد السنية المسلمة وأهاليها، وكثرت فيها الأقلام المأجورة، وانتشرت فيها الكتب المشبوهة، مثيرة الشبهات والشكوك في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقيدة المنقولة المتوارثة عن رسول الله ﷺ، وعن أصحابه نقلًا متواترًا إلى يومنا هذا.
نعم! ماذا يقصد من وراء هذه الكتيبات والرسائل وأمثالها؟ .. لقد كان المفروض أن يتنبه المسلمون، وشبابهم بالذات، إلى مفاسد هؤلاء الناس، وقبائحهم، وشنائع عقيدتهم، وفضائحهم التي ارتكبوها ضد المسلمين في مختلف العصور والدهور، وإن ما يجري الآن ضد المسلمين السنة في إيران من المظالم والاضطهادات راجع إلى أنهم لا يؤمنون بما يعتقده القوم، ومخالفتهم عقائدهم وأفكارهم التي يحملونها تجاه القرآن وحفظته، ونقلة سنته، وحاملي رايات الإسلام المظفرة المنصورة.
نعم! ينبغي أن يكون هذا هو مقصد علماء السنة وكتّابهم لينبهوا من كان غافلًا، ويعلموا من كان جاهلًا، ويزيدوا معرفة من كان بصيرًا، بدل أن يقربوا إليهم عقائدهم، وليهونوا عليهم مساويهم، ويحيبوا إليهم أضاليلهم وأباطيلهم، بل أنه يجب على علماء مصر عامة، وعلى علماء الأزهر خاصة - لما لهم من مكان القيادة الفكرية؛ والصدارة العلمية في العالم العربي بالذات - أن يقوموا بتبصير الناس بأمر الشيعة الذين بدأ خطرهم يزداد ويكبر، بعد تربع التشيع على عرش إيران، ووضع جميع الإمكانات والوسائل في سبيل نشره وتصديره خارج إيران، وإلى البلدان الإسلامية السنية خاصة، وبعد انخداع كثير من الشباب المسلم بثورتهم لعدم معرفتهم بحقائق الأمور وخفاياها، وأنها ثورة التشيع لا ثورة الإسلام، وأنها ثورة شيعية لا ثورة إسلامية، وبتعبير صحيح
1 / 11
وصريح أكثر: إنها ثورة شيعية على الإسلام، تريد ابتلاع المسلمين خارج إيران، وإذابتهم داخلها، وكل من يتتبع أحداث إيران اليوم ووقائعها، يدرك تمامًا ماذا يقصده القوم، وإلى ماذا يهدفون.
فالمظالم التي تصب على الأكراد، والفضائح التي ترتكب في بلو شستان، والدماء التي تراق في عربستان، والاعتقادات الواسعة التي تجري في تبريز وما حولها، ليست إلا وسيلة لإبادة أهل السنة نهائيًا، أو لدمجهم في صفوف الشيعة دمجًا كاملًا.
ولم يأت على أهل السنة من المسلمين في إيران زمان أشد وطأة وأثقل ضربة من هذا الزمان، ولا أصعب وأعسر في الحفاظ على دينهم ومعتقداتهم، إلا ما نقل عن الصفويين، ولعله لم يكن ذاك الزمان يضاهي هذا الزمان ويوازيه، في ظلمه وقسوته، حيث لم يكن آنذاك وسائل الإبادة والتدمير كهذه، كما لم يكن سلب الأبناء من الآباء لإيداعهم المدارس الشيعية ومراكز التشيع من الصغر، كي لا يبقى عندهم أدنى معرفة وإلمام بمذهبهم، ومعتقداتهم.
وما أشد بؤسهم وأسوأ حالهم لأن العالم الإسلامي السني في غفلة عما يجري على إخوانهم في إيران، وإنهم لصم وعمي عن صيحاتهم ونداءاتهم المتكررة لنصرتهم وإغاثتهم، وذلك أن القوم اجترءوا على غزو السنة خارج إيران، وفي بلدانهم، وعقر دارهم، وملئوا مدنهم وقراهم بمنشوراتهم الزائفة وكتبهم المزيفة، وزاد الطين بلة أنهم بدل أن يجدوا مواجهة من قبل علمائهم، لصد تيارهم الجارف، وصد هجومهم السافر، وجدوا ضمائر مبيعة، وأقلامًا رخيصة، وعقولًا مخدوعة إلا من رحم ربك، فطاروا مرحًا ونشاطًا وفرحًا وسرورًا، وسهلت عليهم مهمتهم، وقربت إليهم أمنيتهم، فشمروا عن ساق الجد، واأسفا على تحقيق باطلهم، وتقاعس أهل الحق لتثبيت حقهم، والدفاع عن حوزة حرماتهم وعقائدهم.
فهل من مبصر يتبصر، وعاقل يتعقل، وعالم يعلم أنه لا يوجد في إيران كلها شخص واحد يستطيع أن يدعو الناس إلى السنة وعقائدهم، ولا من
1 / 12
يقدر أن يمنع الشيعة عن غلوائهم في القدح والطعن في القرآن والسنة، وأصحاب رسول الله المبشرين بالجنة، وأزواجه أمهات المؤمنين بشهادة القرآن، بدل أن يدعوهم إلى التقارب والتحابب إلى أهل السنة، وإظهار القول بأن مذهبهم لا يخرج في أهم أوضاعه عن حيز الاجتهاد المسموح به؟!
فيا علماء مصر! رحمكم الله - ألا تخبرون الناس بما يكنه القوم في صدورهم من حقد وضغن وغل لهذه الأمة المجيدة وأسلافها؟ وما يكتمونه من البغضاء والعداء لتعاليم شريعتها الصحيحة، وإرشاداتها المستقيمة، الخالية من شوائب الشرك والوثنية، والصافية من أدران المجوسية واليهودية؟.
فهبوا يا علماء الأزهر .. بالواجب الديني والعلمي، الذي يحتم عليكم تنوير الرأي العام، وتبصير فكر المسلمين، بحقائق .. طالما خفيت على كثير من الناس، في زمن قلّ فيه المخلصون الغيورون، وعزّ فيه الوفاء، ورخص فيه بيع الضمائر والولاء.
أليس من المعقول أن يدعى إلى التقارب قوم جعلوا الشتائم والسباب دينًا، واللعائن والمطاعن مذهبًا، بدل ناس يرونها من أفسق الفسوق، وأفجر الفجور، وخاصة في أكابرهم وأئمتهم حيث أنهم لا يراعون - إلاّ ولا ذمة في أئمتنا وأسلافنا؟.
أليس من المحتم أن تكتب كتب، وينشر بينهم في بلادهم تبين لهم حقيقة المذهب الإسلامي السني، وقواعده وأسسه، التي عليها تركهم نبيهم وقائدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن بعده خلفاؤه الراشدون المهديون؟.
وإنه لمن المؤسف حقًا أنهم بدلًا من أن يدعوا إلى ترك السباب والشتائم لحملة هذا الدين ورواده وقادة جيوشه المظفرة، وعساكره المنصورة الميمونة، والاعتقاد بالدستور الإسلامي، والناموس الإلهي، ورسالة الله الأخيرة إلى الناس كافة، والتمسك بسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، أقواله وأفعاله وتقريراته، المنقولة عنه بواسطة أصحابه العدول، وتلامذته الصادقين المخلصين، وتجنب الإهانة والإساءة والقول الزور - بدلًا من هذا كله يدعى المسلمون أهل السنة إلى ترك عقائدهم ومعتقداتهم المستقاة من
1 / 13
كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وترك الدفاع عن أعراض الصحابة وأمهات المؤمنين، وعن السلف الصالح، وعن بلادهم، لكي يفتحوا أحضانهم لاستقبال التشيع البشع، والشيعة الحاقدين الحانقين، ويدفعوا شبابهم وأبناءهم إلى السبئية الماكرة، واليهودية الأثيمة.
وأما نحن:
فالله يشهد إنا لا نحبهم ... ولا نلومهم إن لم يحبونا
ولا جعلنا الله من الذين يحبون من يبغضون أصحاب حبيب الله ﷺ القائل فيهم: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" (١).
ولا من الذين يشترون الحياة الدنيا وزخارفها، وأموالها الفانية، وشهرتها البائدة، ومديح طائفة منها، ورضاهم بالآخرة الباقية الدائمة، والضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة.
فالحمد لله .. لقد أدينا بعض ما يوجب علينا ديننا، ويحتم علينا ضميرنا، ويفرض علينا علمنا الضئيل، مع قلة حيلتنا، وقصور باعنا، وضعف إمكانياتنا، وبعدنا عن بلاد العروبة مهد الحضارات، وأيضًا من منزل الرسالة ومهبط الوحي، وفي بلاد أعجمية، رغم المتاعب والمشكلات التي نواجهها في الحصول على العلوم والمعارف وكتبها وخزائنها، فكتبنا أول كتاب في هذا الموضوع بعنوان (الشيعة والسنة) عام ١٩٧٣م بعد ما ظهرت طلائع الغزو الشيعي الجديد في بلاد المسلمين آنذاك، فشكرًا لله على نعمائه، فقد لقي ذلك الكتاب، مع صغر حجمه، الرواج والقبول من أمة محمد ﷺ منقطع النظير، حيث صدر منه حتى الآن أكثر من نصف مليون نسخة باللغة العربية، ثم ترجم إلى جميع اللغات الحية التي ينطق بها المسلمون (٢).
ثم لما استولى التشيع المتعصب المحض على عرش إيران، استبشر المسلمون
_________
(١) رواه أحمد، قال صاحب الفتح الرباني (٢٢/ ١٦٩): أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
(٢) مثل الإنجليزية والفارسية والأندونيسية والتايلاندية والهوسا، ولقد قامت إدارة ترجمان السنة بطبعها باللغة الإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى العربية
1 / 14
خيرًا في كثير من أقطار الأرض وأطرافها، لعدم معرفتهم بحقيقة معتقدات القوم ونواياهم، ولكننا نحن بحمد الله وفقنا في حينه بوضع كتاب آخر جامع باسم (الشيعة وأهل البيت) تعرضنا فيه لبيان أهم معتقدات القوم من كتبهم الموثوقة، ومصادرهم المعتمدة، بذكر عباراتهم أنفسهم دون أدنى تغيير .. أو تبديل .. أو حذف .. أو نقصان .. متجنبين أبعاد هذه الثورة السياسية، قاصدين تبيين الحقيقة وتوضيحها، في إطار علمي بحت؟، وقصد هذا الكتاب أن يقوم بسرد الروايات الشيعية من كتب القوم أنفسهم، والاقتصار عليها دون الرجوع إلى كتب السنة، وإيراد أية رواية منها للاستدلال والاستنباط، كي نكون منصفين في الحكم، عادلين في الاستنباط والاستنتاج، فاستبشر به الغيورون من أمة محمد ﷺ، والمحبون له خيرًا.
ولما ازداد الخطر، واستفحل الأمر، وزاد القوم في غلوائهم وعنترتهم والهجوم على عقائد السلف، والطعن في أسلاف هذه الأمة، كان علينا نحن أن نهب لخدمة العقيدة الصحيحة والتشرف بالدفاع عن الدين وعنهم فأضفنا إلى الكتابين كتابًا ثالثًا تحت عنوان (الشيعة والقرآن) لتبصير المسلمين، وتنوير رأيهم حول عقيدة الشيعة المتوارثة المنقولة عنهم، جيلًا بعد جيل، في القرآن المنزل من السماء، على قلب سيد البشر، بنفس الأسلوب وبنفس المنهج، الذي اخترناه في الرد عليهم، وعلى غيرهم من الفئات الباطلة المنحرفة، أي إدانة القوم بما في كتبهم أنفسهم وبعباراتهم هم، نقلًا عن مراجعهم الأصيلة، ومصادرهم الأساسية نقلًا مباشرًا (١)، فأوردنا في هذا الكتاب أكثر من ألف حديث شيعي من مختلف مصادره ومنابعه وتعدد رواته ونقلته، كل هذه الأحاديث الكثيرة الكثيرة تنبئ وتنص على أن القرآن الموجود بأيدي الناس محرّف ومغيّر فيه، زيد فيه ونقص منه كثير، ثم انتظرنا برهة من الزمن أن يشاركنا أحد من العرب
_________
(١) لا كما فعله دكتورنا الفاضل عبد الواحد وافي؛ لأنه لم ينقل مجرد عبارة واحدة عن كتب القوم رأسًا، بل كل ما نقله نقله عن الآخرين (دون تمحيص أو بصيرة)، كما سنثبته إن شاء الله في محله
1 / 15
وخاصة من مصر، بلاد العلم والعلماء، ومن الأزهر بالذات، أكبر جامعة إسلامية وأم الجامعات الدينية، ولكن يا لهفتي على الجامعة الأزهرية التي أعقمت أن تنجب واحدًا، نعم واحدًا يتصدى للرد على الهجوم الذي يشنه الشيعة، ويا لهفتي على مصر أنها لم تلد واحدًا يقف في سبيل غزوهم القارة الإفريقية، التي تحتل بموقعها الجغرافي والعلمي مكان الصدارة على بابها، ولذا فإن العبء الملقى على كواهلها لثقيل، والمسئولية عليها لكبيرة، لم أجد هذا، حتى بلغ السيل الزبى، بل وجدت من بين أبنائها، ورجالات فكرها من ينادي بعكس ذلك، ينادي بالوحدة معهم، والتقريب بين معتقداتهم وبين معتقدات أهل السنة، غافلًا عن خطورة الأمر وأضراره الجسيمة، وعواقبه الوخيمة، ناسيًا ما يترتب عليه من المهادنة والهوان في سبيل العقيدة والدين، وجاهلًا بما تخفيه هذه الدعوة من الضرب والنقصان للطائفة الحقة المنصورة .. أهل السنة والجماعة: " .. يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا" (١).
وعن أمثال هؤلاء الطيبين الأكارم اشتكى شاعر عربي قديم:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معش خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون عن ظلم أهل الظلم مغفرة ... وعن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا
وتمنى أن يكون له قوم بدل قومه:
" شنوا الإغارة فرسانًا وركبانًا ".
فهل يخبرني أحد من سادة الأزهر وعلمائه، ورجالات مصر ومفكريها وكتابها، ومؤرخيها وباحثيها! هل هناك كتاب في إيرانهم وعراقهم، أو في مجامعهم وجامعاتهم .. أعني الشيعة .. كتاب واحد كتب لتقريب الشيعة إلى أهل السنة ولتحريضهم على حبهم وودادهم؟ ..
_________
(١) سورة مرين الآية٢٣
1 / 16
هل من مجيب يجيب؟!!
ولقد كتبت في كتابي الأول عنهم أعني كتاب: (الشيعة والسنة) سالف الذكر "ولقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتبًا ملفقة مزورة في بلاد الإسلام، يدعون فيها التقريب إلى أهل السنة، ولكن بتعبير صحيح يريدون بها تقريب السنة إليهم بترك عقائدهم ومعتقداتهم في الله، وفي رسوله، وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته، وأزواجه الطاهرات اللائي صاحبنه في معروف، وفي الكتاب الذي أنزله الله عليه من اللوح المحفوظ، نعم يريدون أن يترك المسلمون كل هذا، ويعتنقوا ما نسجته أيدي اليهودية الأثيمة من الخرافات والترهات في الله، بأنه يحصل له "البدا" وفي كتاب الله بأنه محرف، ومغير فيه، وفي رسول الله، بأن عليًا وأولاده أفضل منه، وفي أصحابه حملة هذا الدين، أنهم كانوا خونة، مرتدين، مع من فيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وأزواج النبي، أمهات المؤمنين، مع من فيهن الطيبة، الطاهرة، بشهادة من الله في كتابه، بأنهن خن الله ورسوله، وفي أئمة الدين، من مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والبخاري، أنهم كانوا كفرة ملعونين ﵃ ورحمهم أجمعين -.
نعم يريدون هذا، وما الله بغافل عما يعملون (١).
ولكن تغيرت المقاييس الآن وانقلبت المفاهيم، فبدأ بعض علماء أهل السنة ينادون بهذه الدعوة .. أعني التقريب بين أهل السنة والشيعة .. ويرفعون شعارها، بدلًا من أن يردوا على ترهاتهم وخزعبلاتهم .. بل طالبوا بإقامة دور التقريب في مدنهم وبلدانهم، فوا عجبًا من اجتماع أهل الباطل على باطلهم والإخلاص له، وتقاعس أهل الحق عن حقهم، وتخاذلهم عن نصرته .. ووا أسفا على محاماة أهل الحق عن آراء أهل الباطل، والدفاع عن عقائدهم الفاسدة، والتحمس في التماس الأعذار لهم تطوعًا، أو بغير تطوع، وبأخذ البديل والأجرة، أم دون أخذه تصدقًا عنهم، وتطوعًا، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
_________
(١) الشيعة والسنة ص٦، ٧ - ط إدارة ترجمان السنة - لاهور باكستان
1 / 17
هذا بالإضافة إلى أن الشيعة قادة وشعبًا، عامة وزعامة، جهالًا وعلماء .. لا يخفون بغضهم لهؤلاء الطيبين وسادتهم، كلما سنحت لهم الفرصة، أو أتيح لم المجال، لأن مذهبهم ليس مبنيًا إلا على مخالفة أهل السنة، نعم! إلا على مخالفة أهل السنة وعقائدهم وآرائهم، ومخالفة الأسس التي عليها يقوم مذهبهم، وشريعتهم التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه.
ومن أجل هذا فالقرآن أنكروه، لأن أهل السنة يعتقدونه ويؤمنون به.
سنة النبي الكريم أنكروها، لأن أهل السنة يتمسكون بها.
وأصحاب محمد يكفرونهم، لأن أهل السنة يحبونهم.
وأزواج النبي يشتمونهن، لأن أهل السنة يعظمونهن ويجلونهن ويفضلونهن على أمهاتهن، لأنهن أمهات المؤمنين بنص القرآن.
ومكة والمدينة يكرهونهما، لأن أهل السنة يعتبرونهما أقدس بقاع الأرض وأطهرها في الكون.
والكذب يقدسونه، لأن أهل السنة يكرهونه ويهجرونه.
والمتعة يحلونها، لأن أهل السنة يحرمونها.
والرجعة يقرونها، لأن أهل السنة ينكرونها.
والبداء لله بمعنى الجهل يثبتونه، لأن أهل السنة يبرئون منها جنابه وجلاله.
والأوهام والخرافات والبدع والثونيات والشرك بالله كالاستغاثة بالقبور، والصلاة إلى الأضرحة، والنداء للأموات، والاستغاثة بالقبور، والطواف حولها والسجود عليها، وإقامة الأضرحة والقباب عليها وإقامة المآتم والمجالس .. كل تلك الأفعال الشركية يتشبثون بها، لأن أهل السنة يتبرءون منها، ويتنزهون عنها، ويجحدونها.
وسيأتي بيان هذه الأشياء كلها، إن شاء الله، مفصلًا مدعمًا بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة، من كتب القوم أنفسهم، كل هذه الأعمال يأتون بها ويعملونها لأنها مخالفة لما يعتقد به أهل السنة، الذين يعتبرونهم العامة في اصطلاحهم - فعل اليهود حيث يعدون أنفسهم خاصة وغيرهم
1 / 18
عامة - لأن الأصل في مذهبهم هو مخالفة المسلمين. وعليها قامت ديانتهم. وإليك بعض النصوص دليلًا على ما ذكرنا:
يذكر الكليني أبو جعفر محمد بن يعقوب في صحيحه الذي قيل فيه: هو أجلّ أربعة الكتب الأصول المعتمد عليها، والذي لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول (١).
والذي قال فيه قائمهم الغائب: كاف لشيعتنا (٢).
يذكر فيه عن جعفر بن محمد أن سائلًا سأله:
"جعلت فداك، أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكمًا من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقًا للعامة والآخر مخالفًا لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟
قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد (وليس هذا فحسب)
فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعًا؟
قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضائهم، فيترك ويؤخذ بالآخر (٣).
فهذا هو مذهبهم، وهذه هي كراهيتهم للمسلمين، وهم على ذلك قائمون، وعلى نفس المنهج سالكون، ولكن بعض سفهاء أهل السنة يخدعون بلا سبب، ويطيلون بلا طلب، ولأجل ذلك كتب السيد الخميني، زعيم شيعة إيران اليوم مصرحًا بعد ذكر الروايات الكثيرة الكثيرة بخصوص مخالفة المسلمين مثل ما رواها ابن بابويه القمي في كتابه عن علي بن أسباط، قال: قلت للرضا - الإمام الثامن عند القوم ﵇: يحدث الأمر لا أجد بدًا من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ قال: ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه" (٤).
_________
(١) الذريعة للطهراني ج١٧ ص٢٤٥ - ط إيران
(٢) مقدمة الكافي ص٢٥
(٣) الكافي للكليني في الأصول، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث ج١ ص٦٨
(٤) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني ص٨٢ - ط إيران
1 / 19
ورواية أخرى عن الإمام المعصوم أنه قال:
"ما أنتم على شيء مما هم فيه، ولا هم عليه شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء" (١).
ومثله ما رواه عن جعفر أنه قال في جواب من سأله: يرد علينا حديثان: واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا عنه، قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. قلت: لا بد أن نعمل بواحد منهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة" (٢).
هذا .. ومثل هذا .. كثيرا!! ..
قال هذا .. وهو رجل سياسي، والسياسة تتطلب المماشاة والمداراة ولكنه يقول لاطمًا خدود الطيبين، محبي الوحدة، ومنادي التقريب، ليفيقوا من سكرتهم، يقول:
"فتحصل من جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن مرجح النصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة، ومخالفة العامة" (٣).
فهل من مستفيد يستفيد؟ وهل من مستفيق يستفيق؟ أم هم في غفلة يعمهون؟!
وأما نحن يا علماء مصر! ويا علماء الأزهر! فلسنا من قوم عيسى بأن نقدم الخد الأيسر لمن يصفع الخد الأيمن، فهل أنتم منتهون؟:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾ (٤).
وأنت يا فضيلة الدكتور! عليك أن تفهم أن التوادد والتحابب والتقارب من باب التفاعل، والذي يلزم حصوله من الطرفين، ولا يحصل من طرف
_________
(١) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني أيضًا من ٨٣
(٢) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني ص٨٣
(٣) رسالة التعادل والترجيح للخميني ص٨٣
(٤) سورة المائدة الآية٤٥
1 / 20
واحد، وكيف وهم ينصون على أن الحب، أيها الطيبون، لا ينبغي أن يكون إلا من طرفكم أنتم، وأما نحن ففي طرف على رأسه لافتة "ممنوع الدخول، اتجاه واحد".
فلا تتمن أن تصل إلى قلوبهم وتدخل في أعماقهم، وأما أنت فلك الخيار فتفتح قدر ما تشاء وتوصلهم إلى ما تشاء، ولو إلى سويدائها.
وما انشغالك بهم يا طيب القلب؟
أتريد أن ترضيهم بحبك لهم، وبموافقتك إياهم في أباطيلهم وأضاليلهم، والدفاع عن أكاذيبهم وافتراءاتهم على الله والقرآن والرسول، وهم مع ذلك لا يريدون إلا مخالفتك في كل ما تعتقده وتؤمن به، وما أظنك كنت تدري هذا، وإلا ما جرى قلمك ليقلب الصدق كذبًا، والكذب صدقًا، وليكتب الحق باطلًا، والباطل حقًا:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!!
فسامحكم الله أيها الأخوة الطيبون، وإن كنتم لم تقرءوا كتبي الثلاثة المذكورة آنفًا وكتابي الجديد (الشيعة والتشيع فرق وتاريخ) الذي بينت فيه عقائد الشيعة الاثنى عشرية، الذين في أمثالهم قال علي ﵁ أمير المؤمنين، والرواية في أصح الكتب عندهم:
"لو ميزت شيعتي لما وجدتهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد" (١).
والكتاب لذي وضح للناس موقف الشيعة من المسلمين، واعتناقهم عين تلك الآراء والأفكار التي روجها ابن سبأ اليهودي الماكر الخبيث بفرض إمامة علي، وإظهار البراءة من أعدائه المزعومين، من أبي بكر وعمر وعثمان وكافة أصحاب النبي ﷺ ورضوان الله عليهم أجمعين، وتكفيره إياهم، وقوله بالوصاية والولاية والغيبة والرجعة وغير ذلك من الخرافات والترهات، كما أوضح الكتاب لكثير من الغافلين أن كل ما كان يعد غلوًا في الماضي صار من لوازم مذهب الشيعة الاثنى عشرية اليوم، وحتى
_________
(١) الكافي للكليني، كتاب الروضة ج٨ ص٣٣٨ ط إيران
1 / 21
الدكتور وافي الذي يخطئ شيخ الإسلام ابن تيمية (١) لعدم معرفته للأمور ووضعها في نصابها، لا يعلم أن كل ما ذكره شيخ الإسلام حق لا محيص عنه كما سنبينه مفصلًا عند ذكر أخطاء فضيلته.
نعم! كان من الواجب عليكم أن تقرءوا ما كتبه بنو جلدتكم وسلفكم أمثال السيد الجليل الشيخ محمد رشيد رضا منشئ "المنار"، والبحاثة المحقق السيد محب الدين الخطيب صاحب "الفتح" تغمدهما الله برحمته وغفرانه، والرسالة الأخيرة مشهورة معروفة، وموجودة منتشرة في مصر وخارجها (الخطوط العريضة).
وإليكم ما كتبه السيد محمد رشيد رضا:
"إني شديد الحرص على هذا الاتفاق (بين السنة والشيعة) وقد جاهدت في سبله أكثر من ثلث قرن ولا أعرف أحدًا من المسلمين أو أظن أنه أشد مني رغبة وحرصًا على ذلك، وقد ظهر لي باختياري الطويل أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه، وقد تكلمت في هذا مع كثيرين في مصر وسورية والهند والعراق، مما علمته بالخبر والتجربة أن الشيعة أشد تعصبًا وشقاقًا لأهل السنة .. وقد نشطوا في هذا العهد لتأليف الكتب والرسائل في الطعن على السنة والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار ونشروا الإسلام في الأقطار، والطعن على حفاظ السنة وأئمتها وفي الأمة العربية بجملتها" (٢).
ويقول أيضًا: "إننا لا نعرف أحدًا من علماء أهل السنة المتقدمين، ولا المعاصرين يطعن في أحد من أئمة آل البيت ﵈ كما يطعن هؤلاء الروافض في الصحابة الكرام ولا سيما أبي بكر وعمر وفي أئمة حفاظ السنة كالبخاري والذهبي وابن حجر وغيرهم فإنهم يعدونهم من النواصب لعدم موافقتهم لجهلة الروافض على ما يفترونه من الغلو في مناقب آل البيت وقد أغناهم الله
_________
(١) انظر: رسالته ص١١
(٢) مجلة المنار نقلًا عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي الجزء الأول ص١٣٩ ط دار الأنصار بالقاهرة
1 / 22
عن اختلاق المناقب لهم لكثرة مناقبهم الصحيحة الثابتة بالنقل الصحيح، أما النواصب فهم أولئك الخوارج اللذين يبرءون من علي كرم الله وجهه" (١).
فما أصدق السيد! وما أعرفه بهم!.
وأخيرًا يتحدث عن الشيعة بقوله:
"إنهم كانوا أشد النقم والدواهي التي أصيب بها الإسلام، فهم مبتدعو أكثر البدع الفاسدة التي شوهت نقاءه، وهم الذين صدعوا وحدته، وأضعفوا شوكته، وشوهوا جماله، وانتقصوا كماله، وجعلوا توحيده وثنية، وأخوته عداوة وبغضاء، وبثوا فيهم فتنة عبادة أناس لأجل أنسابه، وتقديس عداوة وبغضاء، وبثوا فيهم فتنة عبادة أناس لأجل أنسابهم، وتقديس أناس لأحسابهم وجعل سعادة الدنيا والدين بوساطتهم عند الله، وتأثيرهم في علمه وإرادته على ضد عقيدة القرآن من كون الخالق ﵎ لا يطرأ على صفاته تأثير من المخلوق، وجميع الفرق التي ارتدت عن الإسلام من القرون السابقة كانت من غلاة الشيعة (٢) فمنهم جميع الفرق الباطنية الذين كانوا يلبسون لباس المسلمين ويظهرون التمسك به لتقبل دعايتهم .. كذلك كان غلاة الشيعة مثارًا لأفظع الكوارث التي هدت قوى الإسلام وزعزعت الخلافة العباسية ودمرت الحضارة العربية التي كانت زينة الأرض وفخار أهلها، وهي كارثة التتار، كما كانوا أولياء وأنصارًا لأعداء المسلمين وإنهم أشد عداوة لهم وفتكًا بهم لإسلامهم حتى الصليبيين.
ووجهت العداوة الشيعية إلى أهل السنة خاصة، وزال ملك العرب من بلاد الفرس، وصار السلطان فيه للترك، فاتصل ما كان من عداوتهم للعرب إلى الترك، على اختلاف طوائفهم .. وصارت السنة في بلاد إيران أضعف من المجوسية، وقد ثبت شيعة إيران مذهبهم في عرب العراف حتى كاد يكون أكثر البدو لهم يقيمون مآتم الإمام حسين ويلعنون أبا بكر وعمر عليهما أفضل الرضوان .. فالشيعة كلهم دعاة إلى مذهبهم حتى النساء" (٣).
_________
(١) مجلة المنار م٣١ ص٢٩٠، نقلًا عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي الجزء الأول الفصل الرابع ص١٤٠ - ط دار الأنصار بالقاهرة
(٢) ملحوظة: إن السيد رشيد رضا يقصد من الغلاة الاثنى عشرية، كما يقصد من المعتدلين الزيدية (المصدر السابق ص١٤٤)
(٣) المنار نقلًا عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي ص١٤١، ١٤٢
1 / 23