﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)﴾ [البقرة: ٢٣]، وَلنْ يَفْعَلُوا.
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ هَذَا الكُفْرُ بَعْدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ دَارِسًا طَامِسًا، لما قَدْ طَمَسَهُ اللهُ بِتَنْزِيلِهِ، حَتَّى مَضَى النَّبِيُّ ﷺ، وَأَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ الجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ بِالبَصْرَةِ، وَجَهْمٌ بِخُرَاسَانَ فَقَتَلَهُمَا الله بِشَرِّ قِتْلَةٍ، وَفَطِنَ النَّاسُ لِكُفْرِهِمَا، حَتَّى كَانَ سَبِيلُ مَنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فِي الإِسْلَامِ؛ القَتْلَ صَبْرًا، حَتَّى كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ بِذَلِكَ الزَّنَادِقَةَ.
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ طَامِسًا دَارِسًا حَتَّى دَرَجَ العُلَمَاءُ، وَقَلَّتِ الفُقَهَاءُ، وَنَشَأَ نَشْءٌ مِنْ أَبْنَاءِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِثْلُ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ المَرِيسِيِّ، وَنُظَرَائِهِ فَخَاضُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَظْهَرُوا طَرَفًا مِنْهُ، وَجَانَبَهُمْ أَهْلُ الدِّينِ وَالوَرَعِ وَشَهِدُوا عَلَيْهِمْ بِالكُفْرِ، حَتَّى هَمَّ بِهِمْ وَبِعُقُوبَتِهِمْ قَاضِي القُضَاة يَوْمَئِذٍ أَبُو يُوسُفَ، حَتَّى فَرَّ [٣٥/ظ]، مِنْهُ المَرِيسِيُّ إِمَامُكَ وَلَحِقَ بِالبَصْرَةِ، بِزَعْمِكَ، وبِرِوَايَتِك عَنهُ، فَلم يَزَالُوا أَذِلَّةً مَقْمُوعِينَ، لَا يُقْبَلُ لَهُمْ قَوْلٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ لَهُمْ إِلَى رَأْيٍ، حَتَّى رَكَنُوا إِلَى بَعْضِ السَّلَاطِينِ الَّذِينَ لَمْ يُجَالِسُوا العُلَمَاءَ، وَلَمْ يُزَاحِمُوا الفُقَهَاءَ؛ فَاخْتَدَعُوهُمْ بِهَذِهِ المِحْنَةِ المَلْعُونَةِ حَتَّى أَكْرَهُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ وَالسِّيَاطِ.
فَلَمْ تَزَلِ الجَهْمِيَّةُ سَنَوَاتٍ يَرْكَبُونَ فِيهَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِقُوَّةِ ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ المُحَادِّ لله وَلِرَسُولِهِ، حَتَّى اسْتُخْلِفَ المُتَوَكِّلُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- فَطَمَسَ اللهُ بِهِ آثَارَهُمْ، وَقَمَعَ بِهِ أنْصَارَهُمْ، حَتَّى اسْتَقَامَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى السُّنَّةِ الأُولَى، وَالمِنْهَاجِ الأَوَّلِ.
وَاحْتَالَ رِجَالٌ مِمَّنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاعْتِقَادِ التَّجَهُّمِ حِيلَةً لِتَرْوِيجِ ضَلَالَتِهِمْ فِي النَّاسِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الإِفْصَاحُ بِهِ؛ مَخَافَةَ القَتْلِ وَالفَضِيحَةِ وَالعُقُوبَةِ مِنَ