رد البهتان عن إعراب آيات من القرآن الكريم
رد البهتان عن إعراب آيات من القرآن الكريم
Editorial
دار ابن الجوزي
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
Ubicación del editor
الدمام - المملكة العربية السعودية
Géneros
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـ[رد البهتان عن إعراب آيات من القرآن الكريم]ـ
المؤلف: د. يوسف بن خلف بن محل العيساوي
الناشر: دار ابن الجوزي، الدمام - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
عدد الأجزاء: ١
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Página desconocida
المقدمة
الحمدُ لله رب العالمين، الذي جعل كتابه بلسان عربي مبين، والصَّلاة والسلام على نبينا محمّد خاتم المرسلين، ثم الرّضا عن آله وصحابته أجمعين، ومَنْ تَبِعهم بإحسانِ إلى يوم الدِّين.
وبعد:
فشاء الله سبحانه أن تكون العربية لغة كتابه ولسان وَحْيه، وأن يكون ذلك الكتاب الكريم آخر كُتبه وخاتمة رسالاته إلى عباده، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)، وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥».
فالعربية وعاءُ الإسلام، وهي من الذين، لا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها، وهذا التكرار لعربيّة القرآن في آياتٍ عدة؛ لينبّهنا إلى أهمية الصلة بين القرآن ولغته، الموصوفة بالبيان، والمتميّزة بالإعراب " الذي جعله الله وَشيًا لكلامها، وحِلْيةً لنظامها، وفارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين، والمَعْنيَيْنِ المختلفَيْن ".
1 / 5
هذا الإعراب، الذي به تُعرف معاني آي الكتاب، ويُدفع عنها كلّ ارْتياب، هو عدَّة لأهل التفسير، وللمعربين النَّحارير؛ لبيان كلام العليّ القدير.
فبالإعراب نقف على أحكام القرآن، ونستخرج أسرار البيان، قال مكيّ بن أبي طالب: "من أعظم ما يجب على الطالب لعلوم القرآن، الراغب في تجويد ألفاظه، وفَهْم معانيه، ومعرفة قراءاته ولغاته، وأفضل ما القارئ إليه محتاج: معرفة إعرابه ".
وجاء عن السَّلف تفضيل إعراب القرآن والحضّ على تعلُّمه، فهو من الذين بمكانٍ معلوم. قال الإمام ابن عطيّة: "إعراب القرآن أصلٌ في الشَّريعة؛ لأنّ بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع ".
ومنذ القديم وإلى اليوم يعمل أعداءُ الإسلام على محاربة أصل الإسلام وجذره، وهو القرآن الكريم، ومحاربة لغته: اللغة العربيّة، فحمل أعداءُ الإسلام على معاني القرآن بالتحريف والتضليل، وأرادوا لتفسيره التحويل والتبديل.
وعَمِل آخرون على الطَّعن في إعرابه، بغية إبطاله؛ ولكن هيهات، فهو كلام رب الأرض والسماوات، أُنزل بأحسن اللّغات، وأبلغ العبارات.
1 / 6
ولنقرأ هذا القول للملاحدة أورده صاحب الانتصار: "إنّ الله - سبحانه - لا يجوز أن يتكلَّم باللَّحن، ولا ينزل القرآن ملحُونًا، وأنّ ذلك إنَّما هو تخليط ممّن جمعَ القرآن وكتب المصحف، وتحريفهم إما للجهل بذلك وذهابهم عن معرفة الوجه الذي أُنزل عليه، أو لقصد العناد والإلباس، وإفساد كتاب الله وإيقاع التخليط فيه ".
فهم - كما ترى - يريدون الطَّعن في القرآن، وفي أهل القرآن أهل الفصاحة والبيان، السابقين بالإيمان.
وهذا دَيْدن أتباعهم المعاندين، يقول الدكتور فضل حسن عبّاس: "والمستشرقون، والمبشّرون، والملاحدة، والذين يقلّدون هؤلاء وأُولئك، لم يألَوا جهدًا أن ينالوا من لغة القرآن ".
واستغلّ أعداؤنا كلّ وسيلة للطعن في إعراب القرآن، وتلحين آياتٍ منه؛ فحتى الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) لم تَخْلُ من مواقع تنشرُ مناقشات إعرإبية لتخطئةِ آيات من جهة النَّحو والإعراب.
1 / 7
فقد نشر الأستاذ الدكتور مازن المبارك مقالًا في صحيفة الخليج بعنوان (نحو الإنترنت) ردَّ فيه على كاتبٍ يدَّعي اللَّحن في آياتٍ من القرآن، وفي موقع (صيد الفوائد) مقال بعنوان (شبهات حول أخطاء قرآنية مزعومة) لكاتبٍ لم يذكر اسمه، ردَّ فيه على طاعنٍ في إعراب آي الكتاب.
فالطَّاعنون من الملاحدة والمنصرين، والمستشرقين وغيرهم، لديهم صبرٌ لا ينفد في استكشاف المخبوءات الواهيات، واستغلال الضعيف من الدّلالات، يؤيّدون بها ما يقرّرون من نظريّات، ويتركون الأدلَّة القاطعة، والحُجج الساطعة، وهذا ليس من العلم في شيءٍ، وإنما هو انحراف عن المنهج العلميّ السليم، والأخذ بمذهب سقيم.
ومن زمن وأنا اتابع الطاعنين، في إعراب الكتاب المبين؛ فسلكت ما تفرّق من مقالاتهم في هذا البحث اللّطيف؛ ليكون تذكرة للحصيف، وتبصرةً للغرّ الضعيف.
وسمّيته بـ (ردّ البهتان عن إعراب آياتٍ من القرآن).
وجاء البحث بعد هذه المقذمة في ثلاثة مباحث وخاتمة: المبحث الأوّل: الطَّاعنون في إعراب القرآن، وهو تقييد مُوجز لأصناف الطَّاعنين، وبيان تأثير هذه المقالة في صفوفهم.
المبحث الثاني: شُبَه الطَّاعنين في إعراب القرآن والجواب عنها: جمعتُ فيه أهمّ الشُّبَه التي يرتكز عليها هؤلاء، وبيَّنت فسادها وخطرها.
1 / 8
المبحث الثالث: آيات طُعِن في إعرابها وردُّ ذلك؛ وفيه الإجابة عن الآيات التي طُعِن في إعرابها - لا سيما - التي جاءت في ثنايا البحث.
الخاتمة: وأوردت فيها أهم التتائج المتحصلة من هذا الموضوع.
وتكمنُ أهمّية الموضوع فيما يأتي:
أؤلًا: تتبّع ظاهرة تلحين القرآن، والطعن في إعرابه؛ بمن بدأت ولمن آلت.
ثانيًا: إفراد هذه الظاهرة الخطيرة ببحثٍ مستقلّ، فلم أجد مَنْ كتب فيها استقلالا؛ نعم هناك مَنْ كتب في إعراب آيات مشكلة، أو قضيّة تلحين القرّاء من بعض النحاة. ولكن هذا غير ما نحن بصدده؛ فحديثنا مع أُناسٍ من خارج الإسلام، أرادوا بتلحين القرآن إبطال نسبته لله - تعالى -.
ثالثًا: الكشف عن أساليب أعداء الإسلام، وبيان طعنهم بلغة القرآن؛ و"الفقيه كلّ الفقيه: مَنْ فقه في القرآن، وعرف مكيدة الشَّيطان ".
رابعًا: الجواب العلمي الموثق عن هذه التشكيكات، من مصادر علمائنا.
هذا، فما كان من صواب فمن الله - تعالى -، وما كان من خطأٍ فمن نفسي ومن الشيطان، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
1 / 9
المبحثُ الأوّل
الطَّاعنون في إعراب القرآن
بعد البحث والتقصّي أرى أنّ الطاعنين في نحو القرآن خمسة أصناف:
الصّنف الأوّل: الزنادقة:
ذهب بعضٌ من أهل الزندقة والإلحاد إلى تخطئة آيات من جهة النَّحو، وادَّعى هؤلاء أنَّ في القرآن لحنًا.
يقولُ الإمام ابنُ قتيبة: "وقد اعترض كتاب الله بالطَّعن ملحدون ولَغَوْا فيه وهجروا، واتّبعوا (مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)، بأفهام كليلة، وأبصار عليلةٍ، ونظرٍ مَدْخُول؛ فحرَّفوا الكلامَ عن مواضعه، وعدلوه عن سُبُله. ثم قَضَوْا عليه بالتناقُض، والاسحالة، واللَّحْن، وفساد النَّظْم، والاختلاف ".
وخصّص لهم ابن قتيبة بابًا للرَّد عليهم بعنوان: "باب ما ادّعي على القرآن من اللَّحْن ".
وقد وقفتُ على كلام متين للإمام الباقلانيّ يناقشُ هؤلاء في كتابه: (الانتصار للقرآن)؛ إذ وضع لهم بابًا بعنوان: "باب
1 / 10
الكلام عليهم فيما طعنوا على القُرآن، ونحلوه من اللحْن "؛ فهم يرون أنه مما يدل على تحريف القرآن وتغييره، ما وجدوه من اللحْن الفاحش الذي لا يجوز على الله ورسوله ﷺ حسب قولهم.
الصنف الثاني: المنصِّرون:
جردَ أعداءُ الإسلام حملاتِهم على القرآن الكريم بغية حصاره وتشويهه وتطويقه؛ فحملة تتناول أسلوبه بالنقد والتقبيح، وحملة تتناول قصصه وتزعم أنها أساطير، وحملة تتناول جمعه وتفسيره، وحملة تتناول معانيه، وحملات كثيرة لا تُحصى.
يقول فندر: "لو سلمنا بأن القرآن هو أفصح وأبلغ ما أُلف من الكتب في اللغة العربية، بحيث لا نظير له فيها، لم يترتب على ذلك أنه أفصح وأبلغ مما أُلف من الكتب في غيرها من اللغات أيضا. وقد أجمع علماءُ الإفرنج وتقرر عندهم أنه يوجد في اللغة اليونانية واللاتينتة والإنكليزية
1 / 11
والفرنساويّة والنمساوية وغيرها من اللّغات مؤلَّفات أفصح وأبلغ من القرآن ".
وقد رمى صاحب " تذييل مقالة في الإسلام " القرآن الكريم بالإخلال بالفصاحة، ووسمه بضعف التأليف، قائلًا: "ثم إنّ للفصاحة في العربيّة قواعد وأصولًا وضعوها هم أنفسهم وعدّوا في جملتها سلامة الكلام من ضعف التأليف ومن الغرابة والتنافر ومخالفة القياس، وسترى أنّ في القرآن مِنْ ذلك ما يخالف قواعدهم، ونحن لا نذكر لك منهُ إلَّا ما كانت المخالفة فيه بينةً لا تحتمل التأوّل على علمٍ منَّا أنّ المفسرين قد تمحّلوا لكل من غلطاته تأوّلًا وعزب عنهم أن مجرد احتياجه إلى ذلك هو حجّةٌ عليه، ولو سلَّمنا لهم بما حاولوهُ من الحذف والتقدير؛ لِسَتْر غلطهِ تارةً وكشف معناهُ أخرى، لم يبقَ ثمَّ مِنْ داعٍ لوضع ما وضعوهُ من القواعد ولأصبح كل لحنٍ وتأوُّلهُ، بل عدهُ من أنول البديع ممكنًا على طريقتهم؛ وإذا تقرّر هذا فلنشرع في تعقّب خطئه "، ثم ذكر آيات ادّعى فيها اللَّحْن.
1 / 12
وفي كتاب: (أدلَّة اليقين في الرد على كتاب ميزان الحقّ وغيره من مطاعن المبشّرين المسيحيين في الإسلام)، للشيخ عبد الرحمن الجزيريّ، نراه قد وضع مناقشة لهؤلاء بعنوان: "ما يتخيّله المبشّرون من أخطاء نحويّة في القرآن الكريم ".
وفي سنة (١٣٥٧ هـ) الموافق (١٩٣٨ م) نشرت مجلة (الرّسالة) سلسلة مقالات بعنوان: "كتاب المبشّرين الطَّاعن في عربيّة القرآن: أمسلم مصريّ أم مبشّر بروتستنتي؟ ". رد فيه صاحب هذه المقالات على مَنِ ادعى اللَّحن في القرآن الكريم، وكشف زيفهم ومقاصدهم.
الصنف الثالث: المستشرقون:
جال المستشرقون في ميدان الدراسات القرآنية، وكتبوا عن جوانب مهمّة وخطيرة؛ فأخرجوا كتبا تراثية تتّصل بعلوم القرآن، وألفوا في تاريخ القرآن، وتفسيره، والقراءات، وترجمته، ولغته وغير ذلك.
1 / 13
والمتتبّع لدراسات هؤلاء يرى خللًا عند الكثير منهم، لا سيما في المنهج الذي اعتمدوه، يقول أبو الحسن الندوي: "ومن دأب كثير من المستشرقين: أتهم يعيِّنون لهم غاية ويقررون في أنفسهم تحقيق تلك الغاية بكلّ طريق، ثم يقومون لها بجمع معلومات - من كلّ رطبٍ ويابس - ليس لها أيّ علاقة بالموضوع، سواء من كتب الديانة والتاريخ، أو الأدب والشّعر، أو الرواية والقصص، أو المجون والفكاهة، وإنْ كانت هذه المواد تافهة لا قيمة لها، وُيقدّمونها بعد التمويه بكلّ جرأة، ويبنون عليها نظريّة لا يكون لها وجود إلَّا في نفوسهم وأذهانهم ".
فصار هؤلاء يجمعون الصحيح والسَّقيم، من غير تمييزٍ بينهما، وقد يرجّحون السقيم وحجّتهم التوهّم، وطبيعة هذا المنهج يصفها المستشرق آرثر جفري بقوله: "وأمّا أهل التنقيب، فطريقتهم في البحث أن يجمعوا الآراء والظّنون والأوهام والتصوّرات بأجمعها؛ ليستنتجوا - بالفحص والاكتشاف - ما كان مطابقًا للمكان والزمان وظروف الأحوال معتبرين المتن دون الإسناد".
1 / 14
وممّا زاد منهج المستشرقين خللًا الارتباط بين الاستشراق والتنصيرة فالأول في ميدان الفكر والثقافة، والثاني في ميدان العمل والتربية؛ فالاستشراق يقدم السموم والشبهات، والتنصير ينشرها بوسائله الظاهرة والخفية؛ إذن، فالمهمة مشتركة والهدف واحد، بل مِنَ المستشرقين دعاة للتنصير.
يقول الدكتور علي بن إبراهيم النملة: "وأنّ التنصير قد اتكأ كثيرًا على الاستشراق في الحصول على المعلومات عن المجتمعات المستهدفة، لا سيما الإسلاميّة ... وخاصة عندما اكتسب مفهوم التنصير معنى أوسع من مجرد الإدخال في النصرانية إلى تشويه الإسلام والتشكيك في الكتاب والسنة والسيرة وغيرها، فكان فرسان هذا التطور في المفهوم هم المستشرقون ".
فلا غرابة بعد هذا أنْ نجد من هؤلاء المستشرقين مَنْ يتطاول على لغة القرآن وأسلوبه وقراءاته ورسمه وغير ذلك، يقول الدكتور جواد علي: "ولا بُدَّ من الإشارة إلى رأيٍ أحدث ضجّة في حينه بين المستشرقين هو الرأي الذي أبداه المستشرق (كارل فولرس) عن اللغة الأصلية
1 / 15
التي نزل بها الوحي ومتن القرآن الكريم، ولهذا الرأي علاقة كبيرة بالطبع بأصل اللّغة العربية الفصحى، زعم هذا المستشرق أنّ القرآن الكريم قد نزل في الأصل بلهجة محلّية من اللهجات العربية الغربيّة، وأنّه لم يكن معربًا ثم أُدخل الإعراب عليه على وفق قواعد لغة الشعر".
أمّا (تيدور نولدكه)، فقد قال عنه الدكتور عبد الرزّاق بن إسماعيل هرماس: "فهو لا يتوانى عن الطعن في إعراب القرآن، والصَّرف، وبلاغة الأسلوب ".
الصنف الرابع: مضلِّلون في شبكة المعلومات الدولية: من البدهي القول: إنّ شبكة المعلومات العالميّة (الإنترنت) ثورة معلوماتية، تفوقُ في أهمّيتها كلّ وسائل الاتصال، وهي مع ذلك تشهد تطوّرًا متسارعًا في دنيا العلم يوميًّا؛ حتى أصبح العالم مع هذه الشبكة قريةً صغيرةً يتعرّف
1 / 16
الإنسان المعلومات عنها في أي وقتٍ يشاء.
ولكن هذه الشبكة لا تخلو من مضارّ، فقد استغلّ مضلِّلون من أعداء القرآن مواقعَ لمحاربته، حتى جرت محاولات ساقطة لمعارضته.
ففي أحد المواقع ذهب أحدهم إلى القول بوجود لحن في آياتٍ قرآنية؛ فهذه صحيفة الخليج نشرت في العدد ٨٥٧٤١) ٤ رمضان ١٤٢٣ هـ، الموافق ٩/ ١١ / ٢٠٠٢ م، مقالًا للأستاذ الدكتور مازن المبارك بعنوان (نحو الإنترنت)، جاء فيه: "دأب كاتب على نشر سلسلة مقالات في أحد المواقع على (الإنترنت) يذكر فيها ما يزعم أنّه خطأ نحويّ وقع في القرآن الكريم ".
وفي موقع (صيد الفوائد)، مقال بعنوان (شبهات حول أخطاء قرآنية مزعومة)، وهو رد على موقع يزعم وجود لحن في آيات قرآنيّة.
1 / 17
الصّنف الخامس: مغرَّرون:
صدق الإمام ابن قتيبة عندما قال - وهو يتحدّث عن شُبَه الطاعنين في لغة القرآن -: "وأدْلَوْا في ذلك بعلل ربَّما أمالت الضعيف الغُمْر، والحدَث الغِرّ، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدَحت بالشّكوك في الصّدور".
نعم، لقد وافقت تلك الشُّبه قلبًا مريضًا، خاويًا من علوم السَّلف؛ فصدَّقَ ما قال الطَّاعنون أو كاد، فأخذ يردد أقوالهم، ويسردُ شُبههم.
فقد قال صاحب مقالات: (كتاب المبشّرين الطَّاعن في عربيّة القرآن أمسلم مصريّ أم مبشّر بروتستنتيّ؟): "ثمّ جاءت الطَّامة الكبرى - أعني: الضّلال الضالّ في مجلة في القاهرة، فقد نجم فيها ناجم، وتهدَّم على هذا اللسان العربيّ وكتابه الكريم بالقول السخيف، مشيعًا بالرأي الركيك، والصّنع اللّئيم؛ ولو اقتصر هذا الخارجيّ على بقبقته في تقويض (القواعد) أو نسفها ما باليناه بالةً، ولقلنا: إنّما هو ضُحَكة جاء بأضاحيك، فيضحك الضاحكون، لكنّه شاء أن ينقلب لُعنة يلعنه اللّاعنون، فقد تمسَّك هذا الكاتب في هاتيك المجلة بالذيل أو (التذييل) بكتاب (مقالة
1 / 18
في الإسلام) لجرجس سال الإنجليزي - (وهو الكتاب الذي نشرته جماعة التيسير، بل التضليل، من البروتستانت في مصر) - وانجرَّ أو استجرَّ مسلم ابن مسلمين - يا للأسف - للطاعنين في الدين، والمُقدمين - وقحين - على تنقيص القرآن، وتغليطه في العربية ... ".
ويُحدثنا الأُستاذ أحمد عبد الغفور عطار في كتابه (الزحف على لغة القرآن) عن واحد من هذا النَوع، قائلا: "وحملة تتناول القرآن من الناحية اللغوية، فيزعمون أن به غلطات في النحو، وأن منا مَنْ زعم لي ذلك وقدم لي بضع غلطات كما زعم - قبحه الله -.
ولما رأيت ثلاث الغلطات التي قدمها أدركت المصدر وكشفته له، قال لي هذا الذي منا وزعم أن في القرآن غلطًا: إنني اكتشفت في القرآن أغلاطا لا تتفق مع قواعد العربية التي نعرفها، وها هي ذي:
١ - (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)، وحقها: (تِلْكَ عشرٌ كامِلَةٌ)؟ لأن المعدود مؤنث، ودليل التأنيث كلمة "كامِلَةٌ" و"تِلْكَ ".
٢ - (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا)، وفي هذه الآية خطآن، الأول: أنه أنث العدد مع أن القاعدة في
1 / 19
أحد عشر واثني عشر مطابقة العدد للمعدود، فالمعدود (أَسْبَاطًا) والسبْط مذكّر قطعا، فالقاعدة تُوجب أن يكون (اثني عشر سبطًا)، والثاني: أنّ تمييز أحد عشر واثني عشر يجب أن يكون مفردًا لا جمعًا، وفي القرآن نفسه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا)، فالعدد والمعدود مذكران، والتمييز مفرد.
٣ - (رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
(وَأَكُنْ) معطوفة على (فَأَصَّدَّقَ) المنصوب، فحقّها أن تكون: (فأصدق وأكون).
عندما سرد لي ما زعمه خطأ وذكر الأمثلة أدركت أنّه مقلّد لا مُبتكر، يريد أن يعظّم نفسه بين يديَّ بنقدِ أعظم ما لدينا، ولكنَّه ما زاد نفسه إلَّا حقارة وبرهن على الجهل والكفر وعمى البصيرة، وكشفتُ له أنّه ليس مبتكرًا، بل يقلّد كَفَرة ملاعين، يقلّد القسيس (فندر) مؤلف كتاب: (ميزان الحقّ) ومَنْ سمّى نفسه (هاشمًا العربيّ) في رسالته التي سمّاها "تذييل مقالة في الإسلام "؛ إذ زعما أنّ في القرآن من الغلطات ما لا تُجيزه قواعد العربيّة، وذكرا ما حسباه خطأ وفيه ثلاث الآيات الشَّواهد".
1 / 20
المبحث الثاني
شُبَهُ الطَّاعنينَ في إعراب القرآن والجوابُ عنها
للطَّاعنين في إعراب القرآن الكريم شُبَه اتَّخذوها تكأة، أوردوها تقوية لمذاهبهم، حتى قالوا: "إنّ القرآن العزيز غيَّره الذين كتبوه وحرّفوه عن هيئة إنزالهِ وحالة كمالهِ، وزادوا فيه ونقصوا منه ".
وللوقوف على حقيقة هؤلاء الطّاعنين، سأذكرُ الشُّبَه التي احتجّوا بها، مع الجواب عن كلّ شُبهة، وبالله التوفيق:
الشُّبْهة الأُولى: الأخبار الباطلة:
اعتلّ الطَّاعنون بأخبارٍ واهية، ساقوها لإثبات اللَّحن في آيات من الكتاب العزيز، وأهمّ تلك الأخبار:
الأثر الأول: عند عبد الله بن فُطَيمة، عن يحيى بن يَعْمر، قال: قال عثمان بن عفَّان ﵁: "في القرآن لحن،
1 / 21
وستقيمه العربُ بألسنتها".
الأثر الثاني: عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: "سألتُ عائشة عن لحن القرآن: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)، وعن قوله: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، وعن قوله: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ)؛ فقالت: يا ابن أُختي هذا عمل الكُتَّاب أخطأوا في الكتاب ".
وهذا القولُ الذي أشارت إليه الروايتان وأمثالهما، ممّا يفيد أنّ في القرآن لحنًا، ونحو ذلك، قد عرض له علماؤنا - قديما وحديثا - ووجّهوا إليه سهام نقدهم من جهات متعذد -.
فهذه الروايات اتخذها أعداءُ الإسلام ذريعة للطعن فيه، والقدماء عندما ذكروها ما قصدوا الطعن في القرآن الكريم، يقولُ الشيخُ عبد الفتاح القاضي: "ذكر بعض العلماء هذه الروايات في كتبهم بحسن قصدٍ، من غير تحرّ ولا دقة؛ فاتخذها أعداءُ الإسلام من المارقين والمستشرقين ذريعة
1 / 22
للطعن في الإسلام، وفي القرآن، ولتوهين ثقة المسلمين بكتاب ربهم ".
ولخطورة هاتين الروايتين - وما ماثلهما - سأُبين الصواب - إن شاء الله - فيهما؛ فأقولُ: يُجاب عن هذه الشُبهة من وجوهِ:
الوجه الأول: هذان الأثران - وما شابههما - لا يصحّان من جهة السند؛ وذلك لما يأتي:
أ - الأثر الأول: انتقد من قبل عبد الله بن فُطيمة، ويحيى بن يعمر:
أما إسناد عبد الله بن فُطيمة، فقد قال الإمام البخاريّ فيه: "عبد الله بن فُطيمة عن يحيى بن يعمر، روى قَتادة، عن نصر بن عاصم: منقطع ". وقال فيه الإمام الباقلاني: "رجل مجهول مشكوكٌ فيه، غير معروف ".
وأما يحيى بن يعمر، فقد رماه بعضهم بالتدليس،
1 / 23