393

Rayhaniyyat

الريحانيات

Géneros

من الحقائق التي لا ينكرها من كان له إلمام بتاريخ فرنسا الاستعماري أنها لا تبذل من خزينتها شيئا من المال يذكر في ترقية مستعمراتها، فإن خطتها الاستعمارية مبنية على القول المأثور عندنا «من دهنه سقيله» ودهن لبنان لا يكفي وا أسفاه! طبخة واحدة من طبخات العمران في هذا الزمان ... (14)

إن الرأي العام في فرنسا والأحزاب المعارضة الحكومة يقاومون كل سياسة خارجية، وكل خطة دولية، تستوجب إرسال جنودا إفرنسية إلى الخارج، وفي الحوادث السورية الحاضرة برهان واضح على ذلك، وإن جندا لبنانيا بقيادة ضباط فرنسويين لأشبه بجند تركي بقيادة ضباط ألمان، بل هو أقرب إلى الفوضى منه إلى التنظيم. فإذا كان المأمور اللبناني يتذمر من سلطة المستشار فكيف بالجندي، ونظام الجندية الحديث كالحديد لا يلين لأحد، ولا يذوب حتى في نيران القتال؟ (15)

إن روح الزمان المادية لروح احتكار واستئثار، وهي رغم ما تفكك من ملك ضخم، ورغم ما تألف حديثا من الدول الصغيرة لا تزال أشد ميلا إلى الكبيرة منها، بل هي عدوة الأمم الصغيرة باطنا وفعلا، وعلى الأخص إذا كانت في بقعة من الأرض طالما تطاحنت فيها الشعوب، ولا تزال تشرئب إليها أعناق الاستعماريين في أوروبا، وإن أمة لا تتجاوز المليون عدا لتذهب ضحية ذوي الأطماع القريبين منها والبعيدين. (16)

إن الحرب الاقتصادية في العالم اليوم تقضي على الأمم بالوحدة الجغرافية في الأقل وبالتضامن والتكاتف، لتصون مصالحها، وتحفظ كيانها، وتمهد سبيل رقيها المادي. (17)

السوريون جيراننا لهم ما لنا من خير يرجى، وعليهم ما علينا من شر يتقى، فضلا عن أن الجار - مهما كان دينه - أقرب إلينا من الأغيار؛ بما يربطنا وإياه - في الأقل - من روابط الجنس واللغة والجغرافية، وإن مأمورا أكلمه بلغتي خيرا من مأمور أضطر إلى ترجمان لأعرض عليه أمري. (18)

إن انفصالنا عن إخواننا في الداخلية دليل على تعصب فينا ديني وسياسي، بل هو دليل على أننا نؤثر حب الذات على حب الوطن، أو أننا جبناء نخشى الأكثرية فلا نصلح لتكوين أمة حرة، راقية، مستقلة. (19)

إن في لبنان من جودة العقل والنشاط والذكاء ما يرفع شأنه ويعزز اسمه أين كان، بل يكفل له المساواة ويصون حقوقه ومصالحه وإن كان من الأقلية في البلاد. (20)

وأخيرا، إذا تم اتحادنا نستغني في مدة خمس سنوات - أو عشر بالأكثر - عن المشارفة الأجنبية، وإذا ظللنا منقسمين فلا أمل لنا بالاستقلال. أما إخواننا المتحمسون في دمشق فخير لهم أن يذعنوا إلى أميرهم الحكيم فيفوزون باستقلال يضم تحت رايته الأقليات في البلاد، ولكن الاستقلال الناجز التام والأقليات لم تزل ذعرة خائفة نافرة لا يحقق أمنيتهم وأمنيتنا بوحدة سورية قومية شاملة. وهناك أمر خطير قد يكون فاتهم وهو أن الخطر التركي لا يزال مخيما في الشمال، والخطر البلشيفي يمتد جنوبا، فهل نستطيع يا ترى أن نرد الخطرين ونتخلص منهما في بادئ أمرنا وليس لدينا من الجند وعدة الحرب ما يكفي اليوم لردع عصابات الأشقياء في البلاد؟

فإذا تم اتحاد الدمشقيين واللبنانيين، وتمكنوا من تأسيس حكومة دستورية ثابتة، تستطيع حفظ الأمن والنظام، وتكفل للأقليات حقوقها، وتجري في أحكامها على سنن العدل والمساواة؛ تنتهي عندئذ مهمة الدولة المشارفة، ولا عذر ولا حق لها - إذ ذاك - بالبقاء في البلاد.

الطريقة الوحيدة إذا لحل قضيتنا المعضلة هي أن يتحد اللبنانيون والدمشقيون ويتفقون على مشارفة إفرنسية محدودة الأجل.

Página desconocida