لما توفى بهمن كانت له بنت صائبة الرأى تسمى هماى، فجعل ولاية العهد لها، وكان بهمن قد طلب يدها، وحملت من أبيها، ووضعت حملها بعد تسعة أشهر، وولدت ولدا كان فى جماله مثيرا لغيرة ولدان الجنة، فخشيت هماى أن يضيع الأمر من يدها إذا أظهرت هذا الولد، فقالت: إن ذلك الحمل الذى كان فى وقت بهمن كان حيضا ولم يكن ولدا، فأمرت بأن يصنعوا صندوقا ووضعوه فيه ومعه أكياس من الذهب والجواهر والياقوت الثمين، وطرحوه فى البحر، واتفق أن أخذ غسال هذا الصندوق وحمله إلى البيت ولم يكن يعيش له ولد فى تلك الأيام، فتولى وزوجه تربيته وسمياه داراب. ولما كبر، قال للغسال ذات يوم: يساورنى الشك أنك لست أبى ولى أب أكبر منك من أجل أنى أرى فى نفسى همة، ولكنى لست مناسبا لمنصبك، قال الغسال:
أى ضرر فى هذا فإن الجوهر ينتج من الحجر والحرير ابن الفيلج ويأتى الشهد وهو غذاء الروح من الزنبور الخسيس الحقير، وأى عجب إذا كان عظيم مثلك أن يولد من فقير مثلى، فقال داراب: هذا كلام حسن ولكن قل الصدق، ولما عرف حقيقة الحال أحضروا له الجواهر والذهب فأنفقها على تهيئة أمره، ولحق بخدمة أحد قادة الجيش، حتى ذلك اليوم الذى طلبت فيه هماى استعراض الجيش، وكانت تجلس على قصر عال، ويمر الجيش من أمامها فوج بعد فوج، فقدم داراب وأراد أن يمر فجدد الله تعالى الحب وأشعل نار الشفقة فى قلب هماى، فأمرت باستدعائه، وسألته عن أصله ونسبه، فأقر صادقا بحقيقة حاله، وأظهر ذلك الياقوت فعرفته هماى فنهضت واحتضنته وقالت: إنى أمك وأنت ابنى بهمن، وقصت الحال على أعيان وأركان الدولة، ووضعت التاج على رأس داراب وسلمته الملك، وكانت مدة حكم هماى ثلاثين سنة.
داراب بن بهمن:
كان ملكا عاقلا وأطاعه وانقاد له معظم الملوك، وكان قيصر الروم فى ذلك الوقت فيلاقوس، فجهز داراب الجيش وفتح بلاد الروم وأسر فيلاقوس، وطلب يد ابنته، وأطلق سراح القيصر شرط أن يعطيه كل عام ألف بيضة ذهبية تزن كل واحدة أربعين مثقالا، وكان لداراب وزير يسمى رشتين غاية فى العقل والكفاءة، وشيد مدينة دارأبجرد فى فارس، وكان أفلاطون يعيش فى عصره، وهو أفلاطون بن أرسطن بن أرسطو بن أتينه 15، وهو آخر المتقدمين من الحكماء السبعة الذين هم أساطين الحكمة من المالطية وهم ساميا وأتينه وفاتس الملطى وأنكساغورس وأكسمايس وإيثادقيس وفيثاغورث وسقراط، وكان من معاصريه من الأنبياء جرجيس (عليه السلام)، وكانت مدة ملكه ستين عاما، ويقال: اثنتا عشرة سنة.
داراى بن داراب:
وبناء على الوصية قام مقامه، لكنه كان ظالما وسن سننا سيئة، وأغضب العظماء، وتنفر الخلق منه وقتل الوزير، وأثار رشتين الإسكندر فى مقدونية حتى دخل معه فى حرب، وقتل داراى فيها، وآل الملك للروم من الكيانيين، وكانت مدة ملكه أربع عشرة سنة.
Página 56