199

مضى إلى شيراز بعد أخيه، وأرسل معز الدولة أبى الحسن أحمد بن بويه إلى بغداد، وعزم من هناك السفر إلى مصر والشام، وتوفى فى عهد ركن الدولة، وبعد مدة قسم الملك على أبنائه، فأسند فارس لعضد الدولة، والعراق لمؤيد الدولة، وهمدان ودينور إلى فخر الدولة، وسلم أصغر أبناء أبى العباس إلى عضد الدولة، وتوفى فى شيراز سنة ثلاثمائة وثمان وخمسين، وكانت مدة ملكه ثمان وعشرين عاما.

الأمير عضد الدولة أبو شجاع خسرو بن ركن الدولة:

كان ملكا عادلا عالما كريما، وصار ملكا بوصية من أبيه، كان الناس فى عهده فى رخاء عظيم، ومن معاصريه من خلفاء بنى العباس: الطائع وهو الخليفة الرابع والعشرون، والقادر. ومن المشايخ والأئمة الكبار: الشيخ أبو عبد الله خفيف، والقاضى أبو بكر الباقلانى، والقاضى أبو بكر البيضاوى، والأستاذ أبو على النسوى.

قيل: إن صوفيين من الشام قدما لزيارة الشيخ أبى عبد الله، فلم يجداه فى الخانقاه، فسألا أين هو؟، قالوا: إنه مضى إلى قصر عضد الدولة، فقالا أى شأن للشيخ بالسلطان؟!، ثم قالا: يا أسفاه لقد ضاع الأمل الذى كان لدينا!، ثم قالا: لنطف فى المدينة ثم نعود، فمضيا إلى السوق وجلسا على دكان خياط، فضاع مقراض لهذا الخياط فقبضوا عليهما على أنه معهما وساقوهما إلى قصر عضد الدولة، فحكم بقطع يديهما، وكان الشيخ حاضرا، فقال: اصبروا فإذا ما تريثتم وتأنيتم علمتم أن هذا ليس من عملهم، وأن هذا المقراض فى موضع كذا مع فلان، فمضوا ووجدوه وتخلصا، ثم قال للصوفيين: أيها الرجلان العظيمان إن رأيكما كان صحيحا بالنسبة لى، وإن مجيئى لقصر السلطان يكون لمثل هذه الأعمال، فصار الصوفيان مريدين له، وعظم شأنهما بصحبته. وطالما تعلم أن كل من لا يمد يد المعونة للناس يذهب عمره هباء، قال الشيخ: الإرادة تعب دائم، والترك راحة، والرياضة كسر النفس بالخدمة، ومنع النفس عن الفترة فى الخدمة، والقناعة هى عدم طلب ما ليس فى يدك، وعدم الحاجة إلى ما ليس فيها.

ولما قرب أجل الشيخ، قال للخادم: أنا عبد عاص مذنب قصير العمر، ضع غلا فى رقبتى وقيدا فى قدمى، واجعل وجهى شطر القبلة حتى يقبل الحق تعالى بكرمه، فأراد الخادم أن يصنع ذلك، فسمع صوتا يقول: احذر أيها الغافل، لا تفعل حتى لا تجعل عزيزنا ذليلا.

Página 232