Historia de Banakti
تأريخ البنكتي
Géneros
ولما مات الخليفة، حمل الفضل بن الربيع بناء على أمر محمد الأمين جميع أموال هارون الرشيد إلى بغداد، ولما عرف المأمون استودعها فى مجلس الأمين، وأسند محمد الأمين الوزارة إلى الفضل بن ربيع، وأمر المأمون بالوزارة للفضل بن سهل، الذى كان من كفاءة الدنيا وأعيان الزمان، وبسط المأمون بساط العدل والإنصاف، وأعفى الرعية من خراج عام، ورفع عن وجهه البرقع الذى كان الخلفاء يضعونه على وجوههم، وكان يذهب للمسجد كل يوم ويحادث العلماء والفضلاء، وكان يقيم بنفسه أمور الشرع ومصالح الملك، واشتغل محمد الأمين باللهو والطرب فى بغداد وترك أمور الرعية للفضل بن ربيع، الذى رغبه فى هذا وأوحى إليه أن يخلع إخوته، وبدأ بداية باستدعاء القاسم والمؤتمن من بلاد الموصل والجزيرة، حيث كانت لهما وطلب منهما أن يخلعا نفسيهما، ولما امتنع المأمون أمر بأن يمنعوا اسمه من الخطبة والسكة، وأرسل محمد الأمين إلى مكة؛ ليمزقوا تلك الصفحات التى كان الرشيد قد كتبها وعلقها على باب الكعبة، وهناك أمر بعض الناس أن يبايعوا ابنه موسى، وسموه الناطق بالحق، وكان هذا بناء على غواية الفضل بن ربيع، ولما وصل إلى هناك كان الأمر قد وصل سرعان ما رأى نقض العهد.
ومغزى هذه الحكاية أن أضر شىء على الملك وزير ليس له دين؛ لأنه يضر بمصالح الملك من أجل غرض يحققه، وتحجب حجب حقده وغيرته شمس رأى الملك، وقالوا:
الوزير الطيب هو الذى يحترس من الوزر
وهو دليل الحظ والإقبال للملك
وإذا ما جعل الوزير الهوى أميره
فإن جميع المملكة تكون هباء من هوائه
ولما أصبح الأمين خليفة، أطلق سراح على بن عيسى، وأنعم عليه، وأكرمه إكراما لا حد له، وظل الأمين فى الخلافة ثلاثة أعوام وخمسة وعشرين يوما، وبعد ذلك خلعوه وحبسوه، وجعلوا الخلافة من بعده لعمه أبى إسحاق بن إبراهيم، وأطلقوا سراح الأمين من الحبس بعد أربعة وعشرين يوما وبايعوه وجعلوه خليفة، وكانت له الخلافة مرة أخرى مدة عام وستة أشهر وعشرين يوما، وفى النهاية أرسل عليا بن عيسى بجيش لمحاربة أخيه، وسير المأمون طاهرا بن الحسين لصده، وتوجه طاهر بالجيش، وأسرع به، حيث استولى على الرى وتجاوزها، وحارب على بن عيسى وهزم عليا، وتوجه جيشه إلى بغداد منهزما، وأخذ أكثرهم الحذر، وكتب طاهر رسالة فى الحال إلى الفضل بن سهل، وراعى فى تلك الرسالة غاية الإيجاز فى الكلام، والاختصار فى الحديث، وكان مضمون الرسالة:" بعد قبول الخدمة ليكن معلوما لرأيك الأنور أننى كتبت فى الوقت الذى كان فيه رأس على بن عيسى أمامى، والخاتم فى إصبعى والسلام".
Página 163