ولكن هذا التاريخ لم يخل من عصور انحطاط وقضاة سوء استباحوا الرشوة وحادوا عن جادة الحق وسجلت كتب تاريخ القضاة عنهم اسوأة السير والصفحات بكل صراحة وتندر حتى أصبح لدينا تاريخ حافل بهذه المتناقضات وأضيف إلى ثروتنا الأدبية فصل خاص بما قيل في القضاة من قدح وذم وتجريح وسخرية.
وإلى جانب كل ذلك فإن للنظام القضائي الإسلامي خصائصه الخاصة ببنيته وتركيبة ينفرد بها عن سائر النظم القضائية حيث قام بالدرجة الأولى على أساس نظام القاضي الفرد الذي أتيح له استشارة الفقهاء في مجلسه وخارج مجلس الحكم وهذا الطراز من المحاكم يرجع إلى تقاليد العرب قبل الإسلام حيث ساد نظام التقاضي لدى حكم أو كاهن فرد ولا صلة له بطراز المحاكم في الشرائع القديمة الأخرى.
ولم يحظ حكم القاضي في ظل هذا النظام بدرجة كافية من القطيعة بل كان عرضة للنقض في الأمور غير الاجتهادية وفق شروط وفروض معينة كما كان القاضي نفسه عند عزله عرضة "للإيقاف" أي لعرضه على الحساب الدقيق والسؤال والمراجعة.
وهذا أغرب ما في هذا النظام بالقياس إلى سائر النظم القضائية في مختلف الشرائع المعروفة ودليل على مدى تغلغل مبدأ سيادة القانون في هذا الشرع الذي تقرر فيه خضوع الحاكم والمحكوم لحكم القاعدة القانونية ومسؤولية أولي الأمر عما عهد إليهم الاضطلاع به من الشؤون العامة والخاصة.
لقد منح الإسلام للقاضي سلطة واسعة وأناط به مهمات خطيرة، ولكنه جعله مسؤولًا مسؤولية خطيرة في دنياه وآخرته حتى شبه من ولي القضاء بمن ذبح بغير سكين.
1 / 14