الكلام عليها في طيب النشر في المسائل العشر..
وقد استدل بعض أهل العلم بمثل حديث: "استفت قلبك وإن أفتاك المفتون"، ومثل حديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ولا يستفاد منهما إلا أن التورع عند الظن من الإقدام أولى، وأهل هذا المذهب يوجبون العمل بذلك الظن حتمًا وجزمًا، وقد عرفت أن أدلة المذهب الأولى على الوجه الذي لخصناه تدل على المذهب الثاني فإبعاد النُّجعة إلى مثل حديث: "استفت قلبك" و"دع ما يريبك" ليس كما ينبغي فإن قيل: إنه قصد الاستدلال على مجرد العمل بالظن من غير نظر إلى هذه المسألة فيقال: أدلة العمل بالظن في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأكثر منها أدلة النهي عن العمل به، وهكذا التعويل على حديث الولوغ والاستيقاظ ونحو ذلك لا يفيد، وقد حُكي في تحديد الماء الكثير أقوال منها: أن الكثير هو المستبحر وقيل: ما إذا حُرِّك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر، وقيل: ما كان مساحة مكانه كذا وقيل: غير ذلك وهذه الأقوال ليس عليها أثارة من علم بل هي خارجة عن باب الرواية المقبولة والدراية المعقولة.
"وما فوق القلتين وما دونهما" قدَّر الشافعي الماء الذي لا ينجس بوقوع النجاسة ما لم يتغير بالقلتين وقدَّرهما بخمس قرب وفسرها أصحابه بخمسمائة رطل، وقدّره الحنفية بالغدير الكبير الذي لا يتحرك جانب منه بتحريك الآخر والعشر في العشر كذا في المسوى شرح الموطأ، وقال في حجة الله البالغة: ومن لم يقل بالقلتين اضطر إلى مثلهما في ضبط الماء الكثير كالمالكية أو الرخصة في آبار الفلوات من نحو أبعار الإبل انتهى. ويدفع ذلك ما مر من عدم الفرق بين ما دون القلتين وما فوقهما مع الدليل عليه، وإن شئت زيادة التفصيل فعليك بالفتح الرباني في فتاوى الشوكاني ففيها ما يشفي العليل ويسقي الغليل.
"ومتحرك وساكن"، وجه ذلك أن سكونه وإن كان قد ورد النهي عن التطهير به حالة١ فإن ذلك لا يخرجه عن كونه طهورًا لأنه يعود إلى وصف كونه طهورًا بمجرد تحركه، وقد دلّت الأحاديث على أنه لا يجوز التطهير بالماء الساكن مادام ساكنا كحديث
_________
١ كذا في الأصل. ولم يرد في الحديث النهي عن التطهير بالماء الساكن إنما ورد النهي عن الانغماس فيه للجنب كما سيذكر المؤلف بعض ألفاظه وفرق كبير بينهما بل في الحديث التصريح بالتطهير به بالتناول في كلام أبي هريرة راويه.
1 / 10