بنفي وضوء من لم يذكر اسم الله وذلك يفيد الشرطية التي يستلزم عدمها العدم فضلًا عن الوجوب فإنه أقل ما يستفاد منه١، "إذا ذكر" تتقييد الوجوب بالذِّكر للجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث: "ومن توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهورًا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوءه". أخرجه الدارقطني رح تعالى والبيهقي رح من حديث ابن عمر ﵁ وفي إسناده متروك ورواه الدارقطني رح تعالى والبيهقي رح تعالى من حديث ابن مسعود ﵁ وفي إسناده أيضا متروك، ورواه أيضا الدارقطني رح تعالى والبيهقي رح تعالى من حديث أبي هريرة ﵁ وفيه ضعيفان، وهذه الأحاديث لا تنتهض للاستدلال بها وليس فيها أيضا دلالة على المطلوب من أن الوجوب ليس إلا على الذِّكر ولكنه يدل على ذلك أحاديث عدم المؤاخذة على السهو والنسيان وما يفيد ذلك من الكتاب العزيز فقد اندرجت تلك الأحاديث الضعيفة تحت هذه الأدلة الكلية ولا يلزم مثل ذلك في الأعضاء القطعية وبعد هذا كله ففي التقييد بالذكر إشكال. قال في الحجة البالغة: قوله ﷺ: "لا وضوء لمن لا يذكر الله" هذا الحديث لم يُجمع أهل المعرفة بالحديث على تصحيحه، وعلى تقدير صحته فهو من المواضع التي اختلف فيها طريق التلقي من النبي ﷺ فقد استمر المسلمون يحكون وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعلّمون الناس ولا يذكرون التسمية حتى ظهر زمان أهل الحديث وهو نص على أن التسمية ركن أو شرط، ويمكن أن يجمع بين الوجهين بأن المراد هو التذكر بالقلب فإن العبادات لا تقبل إلا بالنية وحينئذ يكون صيغة لا وضوء على ظاهرها، نعم التسمية أدب كسائر الآداب لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لم يبدأ باسم الله فهو أبتر" وقياسًا على مواضع كثيرة،
_________
١ الحديث الأول ضعيف لأنه من رواية يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة قال البخاري: لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة. ووقع الإسناد للحاكم في المستدرك: يعقوب بن أبي سلمة وزعم أنه الماجشون فصححه لذلك وتعقبه الذهبي وغيره بأنه خطأ والصواب يعقوب بن سلمة الليثي ولو سُلّم أنه الماجشون فإن أباه أبا سلمة واسمه دينار مجهول الحال وعلى كل فالحديث ضعيف. وباقي الأحاديث التي ذكرها الشارح لا تصلح للاحتجاج لأنها ضعيفة جدًا ولذلك قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد وليس لمن قال بوجوب التسمية في الوضوء على أنها شرط فيه: دليل صحيح والحق أنها سنة.
1 / 34