El Jardín Perfumado en Explicación de la Biografía del Profeta
الروض الأنف في شرح السيرة النبوية
Editorial
دار إحياء التراث العربي
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٢ هـ
Ubicación del editor
بيروت
الجزء الأول
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين.
والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
أما بعد: فحينما عهد إلىّ بهذا الكتاب «كتاب الروض الأنف» لتحقيقه توجهت إلى الله بالضراعة أن يهدى فكرى إلى الحق الجليل، والصدق النبيل، والصواب الجميل، وأن يلهمنى البيان الذى يرف بوضاءة الحق، وإشراق الجمال، وأن يجعل من عملى فى الكتاب صالحة أبلغ بها من رضوانه رزقا كريما به تنعم الروح، وتهنأ النفس، وتجمل الحياة فى الأولى والآخرة.
ليس تحقيق هذا الكتاب بالعمل الهين، فهو عن النبى العظيم الذى به ختمت النبوات، والإنسان الذى أشرقت الإنسانية فيه بكمالها الأعظم، والذى يعتبر تاريخه بعد الوحى هو تاريخ التطبيق الحق لما جاء به القرآن، كما قالت أم المؤمنين عائشة- رضى الله عنها- حين سئلت عن خلق النبى، فقالت:
«كان خلقه القرآن»
ثم هو من تأليف إمام أندلسى كبير ذهبت آراؤه- فى دين كثير من الناس- مذهب الحجة الناصعة التى لا يجوز أن تتلقى إلا بالإذعان، ومذهب البرهان الذى يشع منه فلق الصبح الوضئ.
1 / 5
إمام بسط سلطانه القوى على الكثير من أئمة الدين فى عصره وبعد عصره- لما ذهب إليه فى كتابه «الروض الأنف» - الهيمنة على من قاموا بشرح السيرة، أو الحديث عنها بعده؛ لأنه احتشد لهذا الكتاب بكل ما كان عليه من علم وذكاء ومعرفة وريفة، فأودعه كل هذا، فكان أشبه «بدائرة معارف» فى السيرة والتاريخ والحديث والفقه والنحو واللغة.
والكتاب شرح لسيرة «ابن هشام» وحسبنا أن نذكر هذا؛ فسيرة ابن هشام أجلّ من أن تعرّف، فلمؤلقها- أو لمهذيها- المكانة الممتازة التى تتألق على ذرا التاريخ بآياتها الباهرة.
وأنت فى هذا الكتاب تجد نفسك بين عاطفة تتوهج بالأشواق، وعقل يرصد أفق الحقيقة، عاطفة قد لا يندى ظمأها إلا تهويلات الخرافات، وتهويمات الأساطير، وعقل يستشرف الحق علوىّ السلطان، وقد جعله الإيمان ذا رغبة فى أن يكون هذا الحق فى وضوحه جمال صبح ناضر، وألق نور زكى باهر.
ثم أنت أيضا قبل هذا تحت سلطان عقيدة هى المثل الأعلى للحق فى صفائه وجماله وجلاله. عقيدة لا يلمح أحد فى حقائقها الإلهية أثارة ما من خيال يفتنه بسحره وشعره، وإنما يرى نورا وحياة بهما يكون النور، وتكون الحياة لكل مسلم، لأن هذه العقيدة حق من حكيم حميد.
ثم أنت- أيضا- أمام نصوص انتقلت إلينا عبر قرون. والأمانة تفرض علينا أن نبقيها كما هى، لنعرف الحقيقة غير مشوبة بشئ. فهذا هو الواجب فى تحقيق التراث، فلا ينزع بنا الهوى إلى تحريف أو تبديل، فنعيد مأساة التراث حين استخفت به اللعنة اليهودية، فغيرت معالمه، وأحالته أمشاجا
1 / 6
من الحق والباطل، ومن الإيمان والكفر، ومن وحى الرحمن، ووسوسة الشيطان، ثم أظهرته فى عماية التاريخ تزعم أنه مطيّب بروح السماء. وإذا كان هذا هو المفروض علينا حيال أى تراث، فما بالنا ونحن مع تراث يقص سيرة النبوة الخاتمة، سيرة الإنسانية الكاملة، وهى تسلك السبيل الأقوم على نور الوحى وهدايته، سيرة محمد- ﷺ وهو يطبق القرآن أول تطبيق وأعظم تطبيق ليكون للبشرية المؤمنة شرعا ومنهاجا، يطبقه فى اعتقاده وعبادته وخلقه، وسلوكه فى الحياة. كل هذا فى أصدق إيمان، وأشرف إرادة، وأقدس غاية ونية، فكانت سنته- ﵊ الآية على السلوك الذى به تهتدى وتشرف الحياة، وتضئ بأعظم القيم.
وكانت سيرته السيرة التى تجذب إليها بالحب الصدوق، والإعجاب الودود كل مشاعر النفس ونوازع الحس، وتفرض بالحب على الفكر الحر الذى لم تزغه حمية جاهلية، أو ضلالة صليبية أن يسجد خاشعا لله الذى خلق هذا الإنسان، واصطفاه خاتما للنبيين.
فإذا وجدنا نصوص التراث آيات حقّ أحببنا التراث وأكبرناه، وإذا لم نجده كذلك فماذا نفعل؟ هذا بعض ما يعرض من قضايا أمام العقل والقلب، ولقد استهديت- للفصل فيها فصلا قويما- بهدى القرآن، فإننا نراه يقص علينا مفتريات عبدة الهوى والإثم. ثم يكر عليها بالحجة التى تزهق الباطل؛ لهذا تركت النص كما هو فى شعور جعلنى أو من أننى لو نلت منه- حين يصدم ما أدين به- فإنى أنال من قدسية الحقيقة. هذا والإنسان الذى يكتب عن الرسول- ﷺ يخشى على نفسه أن تجمح به عاطفة مشبوبة أو مجنونة تسحرها خلابة التصورات التى يفتن بها الهوى عبيده، أو يخشى عليها من شطط الفكر المغرور بنفسه، فإن استبدّت تلك العاطفة بزمامه استهواه
1 / 7
الشيطان واستغواه، واستزله إلى عبادة وهم أسطورى سحرىّ الأصباغ والألوان يسميه له محمدا!! واصفا إيّاه له بما لله وحده من صفات كما صنع الصوفيون الإشراقيون أمثال السهروردى المقتول، والحلاج وابن عربى والجيلى وابن سبعين والصدر القونوى، وغيرهم ممن حكموا على محمد أنه هو الله ذاتا وصفة وربوبية وألوهية، أنه هو الحق والخلق، والرب والعبد، أنه هو الوجه الإنسانى للحقيقة الإلهية، أو أنه المظهر البشرى لماهية الربوبية، أو أنه حقيقة الوجود المطلق فى إطلاقه وعمائه وتجلّياته وتعيّناته وسرمديته وديموميته. وقد لا يستزله الشيطان إلى أعماق هذه الهاوية، وهو يكتب عن النبى- ﷺ فيحمله على أن يؤكد بألفاظه أنه يدين بالفصل بين الوجودات، فيدين بوجود حق، ويدين بوجود خلق. بوجود رب، ووجود عبد، ولكنه يضيف إلى هذا الذى تسميه عبدا أسماء وأفعالا تجعلك ترى ربا لا عبدا، وخالقا لا خلقا. إنه يزعم أن الله صرّف محمدا، أو غيره فى شئون خلقه، ووهب له تدبير شئون الملك والملكوت، والجبر والجبروت!! هذا الإنسان الذى يكتب هذا أو يتصوره إما خادع بنفاق، وإما مخدوع بنفاق!! لقد فصل لغويا بين لفظين هما: رب وعبد، وبين اسمين هما: الله ومحمد، وظن أنه بهذا الفصل اللغوى قد نجا مع الإيمان من الكفر، ومع التوحيد من الشرك. غير أنك حين تبتلى ما يعتقده فى محمد، وما يكتبه عن محمد عبدا ورسولا، تجده يسوى فى اعتقاده تسوية تامة بين محمد وبين الله. لقد خدعه الشيطان عن قتلته، فظن أنه أحياه، ورشف من يديه كأس السعادة والخلود!! إن مصيره مع نفس تلك المصائر التى تردّى فيها كهنته من قبل كابن عربى وتلاميذه.
إنك حين تقرأ لابن عربى فصوص الحكم، ولعبد الكريم الجيلى كتابه الموسوم بالإنسان الكامل ولابن الفارض تائيته الكبرى التى تدنو من
1 / 8
سبعمائة بيت، ستجد نعيق الحقد، ونعيب الوثنية، مصوّرين نغمات محبة، وتسبيحات توحيد، وحفيف أجنحة الملائكة فى فجر المحاريب.
ستجد الزعم بأن فرعون هو الله حكمة وحكما، وقهرا وملكا، وبأن الشيطان هو أصل من أصول الحقيقة المحمدية، وبأن أولئك الغوانى اللاتى سرن فى التاريخ غزل فتنة، ونسيب صبوات لم يكنّ سوى الله فى أجمل مظاهره!! كان قيس هو الله فى مظهر ذكورة، وكانت ليلى هى الله فى مظهر أنوثة. كان كل شئ هو حقيقة الله التى تتجلى فى صور شتى، شيخ عابد، وعربيد جاحد، وملك كريم، وشيطان رجيم. فالحقيقة الإلهية تجمع فى كنهها بين النقيضين وبين الضدين، وبهذا تنعدم التفرقة بين الحقائق المتباينة، أو تلتقى المتناقضات كلها فى حقيقة سموها: الحقيقة الإلهية، أو الحقيقة المحمدية التى هى حقيقة الوجود، وحقيقة العدم، الوجود المطلق، والوجود المتعين، الخير والشر، الإيمان والكفر، الحق والباطل، الصدق والكذب، وفى التعين البشرى هى: نوح ويغوث، وهى موسى وفرعون، وهى أبو بكر وأبو جهل!!
بين هذه الفهوم تناوحت صور الحقيقة المحمدية، أو صورة الوهم الذى افتروا له اسم محمد، وبهذا النباح تجاوبت الكلاب الشاردة، لعلها تطغى به على النغمة العلوية التى تمجد محمدا، وهو على قمة البشرية، يشع بأنوار النبوة الخاتمة.
إن هؤلاء وأولئك عبد شياطين تنزّت بهم أحقادهم، فإذا هى تدق بهم كل باب من أبوب جهنم.
وإن استبدّت بالكاتب عبادته لعقله فى قصوره وتقصيره تردّت به فى
1 / 9
هوة سحيقة، وهو يحسب أنه يرقى معارج السماء!.
إنه نزّاع إلى إخضاع كل شئ فى وضح الشهود، أو فى سرائر الغيب لمقاييسه العقلية، أو- بتعبير أدق- لهواه يعبق بالفتنة الخلوب، فالخير هو ما يرى، أو ما يشعر أنه خير، وكذلك الشر، وكذلك الحق والباطل، وإن يك كلّ ذلك فى مقياس الحقيقة مناقضا لرؤيته ووجدانه.
مثل هذا المترف بعبادة العقل، أو المسرف فى الجحود ينظر إلى محمد، وكأنما هو بشر بلا نبوة، أو آدمى هواه يقود نوازع حسّه، ويبطش بعواطف نفسه، وبهذه النظرة يرى فى محمد ما يرى الكفر فى الإيمان، وما يرى الخبث فى الطيب، وما يرى الحقد فى النعم المتلألئة الوسامة، الناضرة الجمال.
ويقول عنه عين ما تقول العداوة فى جهالتها وحماقتها وضلالتها المركومة، ويسخر فى أعماقه التى تفح فيها أفاعية من قولنا: ﷺ.
ونحن المسلمين نعوذ بالله من هؤلاء الذين أسرفوا فى التجريد والجحود والحقود، ومن أولئك الذين أسرفوا فى العشق، وعاشوا أنضاءه، فرأوا الوجود كله أنوثة تلفح بالحرمان والصدود، حين استبد بهم غرام جسدى لم يبرد لهم أواما، ولم يند منهم غليلا. ولم يقرّ بهم فى سكن.
فكان هذا التصور لمحمد، وكان هذا التصوير منهم للحقيقة.
إن الكتابة عن الرسول- ﷺ تفرض علينا أن نكون على بينة من الكتاب والسنة، وأن نجعل ما نقول حليفا للحق، ووليا للصدق، وكذلك يفرض على كلّ من يتصدى لتحقيق كتاب عن خاتم النبيين.
ومن هنا تتجلى لنا خطورة الأمر وجلالته! فقد خلف لنا أسلافنا تراثا
1 / 10
مكتوبا عن النبى، لا يوجد مثيله فى أمة من الأمم كتبت تاريخ زعيم، أو قائد أو بطل، أو نبى هو منها فى مكانة الشمس من الكون، وفى الكثير مما خلف لنا الأسلاف من تراث مكتوب عن النبى لا نلمح فيه شعاعة حقّ إلا كما نلمح ومضة البرق فى الليلة الداجية زكمت آفاقها الظلمات، فلقد خيل إلى أصحاب هذا التراث أن الكذب آية حب، وأن محمدا لا يكون عظيما إلا بما افترت الصليبية ليسوع، فصوروا رسول الله فى صورة بشر تستكنّ فى أعماقه ربوبية قهارة خلاقة، تهيمن على مصائر الوجود، وأقدار كائناته، وتجمع بين أزل الوجود، وأبده فى معرفة لا يخفى عليها شئ!! وافتروا قصصا، وأحاديث هى نفثات يهودية، ومفتريات وثنية، وضلالات صليبية، ورددت أفواه وألسن فى عديد من قرون التاريخ هذه القصص والأحاديث، وتلقفت الأجيال- خلفها عن سلفها- كلّ ذلك، وقد صنع التاريخ الكذوب لمن افتروا هذه الأكاذيب، أو لمن رددوها عن بلاهة عروشا تسجد تحتها أفكار أجيال وأجيال، وتهطع فى قنوت يأخذ منها كل العمر، فتسخّر لتمجيد تلك الأكاذيب كلّ فكر ولسان وقلم، فصار قرينا للمستحيل أن يفكر امرؤ فى نقد شئ من تراث أولئك الأسلاف بشروح هؤلاء الأخلاف، وصارت هذه الترهات التى يمجها حتى الباطل لعوارها- تختال وكأنها درر حقائق تتلألأ بنور الوحى، بل صارت، وهى أحب ما يعشق الناس مما كتب عن الرسول- ﷺ وصارت مكانة أربابها كالزجر القاصف، والردع العاصف لمن يهم بالهمس بكلمة حق ينقدبها تلك الضلالات. والمسلم الذى يحاول أن يجلو للناس سيرة النبى- ﷺ على نور من القرآن وهدى من الأحاديث الصحيحة. تجده وقد تفجرت فى وجهه حمم، ودوّت فى سمعه رعود، وألوف الألسنة تبهتة بالسوء، وهى التى لم تطب لحظة بذكر الحق: إن الباطل الذى سخّر هذه الألسنة، وزكم بطون أربابها بسحته لا يحب أن يعرف الناس أنه باطل،
1 / 11
لأنه- بما هو عليه- فى عقول عبيدى الخرافة يعيش مسجودا له، معبودا تساق إليه حمر النّعم، وتحتشد الدنيا فى باحاته وساحاته بكل ترفها وزينتها وفسوقها وشهواتها!!.
إنهم يريدون منه أن يقول ما قال الإشراقيون من الصوفية عن محمدهم الموهوم: إن محمدا هو الأول والآخر، والظاهر والباطن. أن يقول عنه ما يقول نعقة «الموالد» ونبحة المناوى!! «لولاه ما كان ملك الله منتظما» !!.
أو ما قاله الوضاع الأقاك الذى افترى أن الله قال لمحمد: «لولاك ما خلقت الأفلاك» .
أو ما قاله البوصيرى:
فإن من جودك الدنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
وإذا كانت الدنيا والآخرة بعض كرم الرسول، فماذا بقى لله؟ وإذا كان علم اللوح والقلم بعض علم محمد، فماذا بقى لله؟.
يريدون منه أن يؤمن، وأن يحمل الناس على الإيمان بأن محمدا حى فى قبره لم يمت، وأن أعمالنا عليه تعرض، يريدون منه أن يعتقد بلا وهم ريبة فى أن قبر محمد خير وأفضل من عرش الله. والذين يريدون حمله على هذا لا يعرفون عما جاء به محمد شيئا. مدى معرفتهم أنه خلق من نور، وأن المصحف لا يجوز أن يمس على غير طهارة!! أما عن نبوة محمد، أما ماذا فى المصحف من هدى؟ أما هذا النور والحق والحياة فهم عنه عمون!!
1 / 12
بل إنهم فى كثير مما تعرفة الحياة عنهم لا يذكرون محمدا إلا حين يرون عرائس «المولد»، وثمت ترى على الشفاه غمغمة وهمهمة!!
وقد يخيّل إليك أن هذه صلوات وسجدات، وما هى إلا نفثات من حمم شهوات!!. فماذا نفعل، لنكتب الحق؟.
أنجبن عن الهتاف الروحى الجميل بالحقيقة خشية هؤلاء المنذرين بالوعيد الكنود، والفتنة الحقود؟.
أندهن كما يدهنون مخافة أن يعر بد علينا الباطل ببهتانه وعدوانه، أو يقترف ضدّنا المكر السئ؟!.
إن إيماننا بالله، وبرسوله- ﷺ لأكرم وأعز من أن نذلّه لدعاة إلافك، وكهنة الزور، أو أن نرغمه على الاستخذاء فى سبيل الوصول إلى غرض دون هو: النجاء من سلاطة جاهلية جاحدة، أو سفاهة وثنية حاقدة، وإن الحق الذى يجعل من الحياة شيئا جميلا وعظيما، لأسمى من أن نأذن لهذا الركام الأسود من الأساطير أن يزحف على أفق ضياء الحق، لا لشئ سوى أن نكون مع ردغة الأكثرية فى تلطّخ نتن!!
والله يهدينا بقوله: (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف: ١٠٣ (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . الأنعام: ١١٦
ثم إنى أتساءل: هل تحتاج مكانة الرسول- ﷺ إلى أن ندعمها بالأكاذيب، حتى نؤيد أو نردد كل أكذوبة اختلقت؟
إن الذى يزعم هذا كالذى يزعم أن الحق فى حاجة إلى الباطل، وأن الصدق
1 / 13
محتاج- فى تأييد الناس له- إلى الكذب، وأن الإيمان يريد سندا من الكفر، وأن الخير فقير إلى الشر؛ ليهب له فى الحياة مكانته.
إن محمدا- ﷺ كالشمس لا تحتاج إلى دليل يثبت أنها بزغت سوى أن تراها وهى بازغة فحسب، ومكانته أجل من أن نقترف الكذب لنثبت به أنه صدوق. إن نوره يدل عليه، ويثبت بلا برهان- سوى تألقه وتوهجه- أنه حقا يضئ، فلنقل عنه ما قاله ربه الذى خلقه فى أحسن تقويم لنقل: إنه ما كان بدعا من الرسول، وإنه كان بشرا يوحى إليه.
ألا وإن حق القرآن هو الحق الأول، فهو المهيمن على كل كتاب جاء به البشر، أو جاء به رسول الله من عند الله، فلنعتصم به، ونحن نكتب، أو ننقد ما كتب، ليهب الله لنا الفرقان المبين. ولنحذر أن نتهيب اسما يسحرنا تهيّبه عن الصواب، أو نذعن لسلطان ما يخادعنا، ليلوينا عن الحق.
وبهذه الروح أقبلت على تحقيق كتاب «الروض الأنف» «١» وفى فكرى، وعلى قلمى حفاظ قوى على النص، وإن وجدت فيه ما يخالف بعض ما أرى أنه مجانف للحق، وقد احتشدت لهذا الكتاب بكل ما أملك من جهد، لا أزعم أنه عظيم، وإنما أزعم أنه كل ما أملك. وقد لقيت فى سبيل تحقيقه ما لقيت من مشاق لا آمن بها، وإنما أضرع إلى الله أن يكون لها عند الله حسن المثوبة؛ فما يكون الثواب إلا على ما يرضيه سبحانه.
_________
(١) فى اللسان «روضة أنف: لم يرعها أحد، أو لم توطأ. وكأس أنف: لم يشرب بها قبل ذلك كأنه استؤنف شربها مثل- روضة أنف» ويريد السهيلى بهذه التسمية أن يؤكد أن كتابه هذا لم يؤلف أحد مثله من قبل.
1 / 14
الروض الأنف: وكتاب الروض الأنف- كما ذكر مؤلفه فى مقدمته- هو: «إيضَاحِ مَا وَقَعَ فِي سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- ﷺ الّتِي سَبَقَ إلَى تأليفها أبو مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، وَلَخَصّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ الْمَعَافِرِيّ الْمِصْرِيّ النّسّابَةُ النّحْوِيّ مِمّا بَلَغَنِي عِلْمُهُ، وَيُسّرَ لِي فَهْمُهُ مِنْ لَفْظٍ غَرِيبٍ، أَوْ إعْرَابٍ غَامِضٍ، أَوْ كَلَامٍ مُسْتَغْلِقٍ، أو نسب عويص، أو موضع فاته التّنْبِيهُ عَلَيْهِ، أَوْ خَبَرٍ نَاقِصٍ يُوجَدُ السّبِيلُ إلى تتمته» إلى أن يقول: «تَحَصّلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ فَوَائِدِ الْعُلُومِ وَالْآدَابِ وَأَسْمَاءِ الرّجَالِ وَالْأَنْسَابِ وَمِنْ الْفِقْهِ الْبَاطِنِ اللّبَابِ، وَتَعْلِيلِ النّحْوِ، وَصَنْعَةِ الْإِعْرَابِ مَا هُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ نَيّفٍ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِيوَانًا سوى ما أنتجه صدرى» .
وهو جهد بارع صادع بأن الرجل كان إماما فى فنون عصره. فهو المحدّث الفقيه النسابة اللغوى النحوى «١» المفسر المؤرخ الآخذ من كل فنون عصره بنصيب وفير. وقد لاءم بين فنون معرفته، حتى جعل منها وحدة يصدر عنها فى كل ما يكتب، ومما يزيدنا إعجابا بالرجل أنه فقد بصره، وأن الكتب كانت فى زمانه مخطوطة، فمتى طالع كل هذا؟ وكيف طالعه؟ وتراثه يشهد له بأنه استوعب كل ما قرأ، وبدت سعة اطلاعه، ونفاذ بصيرته وقوة تفكيره فى أكثر ما كتب.
ومما يجعلنا أيضا شديدى الاحترام للرجل- رغم ما وجدت عنده من خرف- هذه الحقيقة التى تطالعك فى كتابه: إنها الأمانة الصادقة فى النقل، وفى نسبة كل شئ
_________
(١) انتفع بمادته كثير ممن جاءوا بعده، ولا سيما ابن القيم فى كتابه بدائع الفوائد. ولكنه كان كما يقول ابن مضاء القرطبى «كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم السهيلى- ﵀ يولع بعلل النحو الثوانى ويخترعها ويعتقد ذلك كمالا فى الصنعة وبصرابها» ص ١٦٠ كتاب الرد على النحاة.
1 / 15
إلى قائله، فلم يأت بزيادة مفتراة، أو يقترف فى نقله نقصا قد يغير من مفهوم القول، وقد راجعت أعظم ما نقل، وقايسته على مصادره، فلم أجد إلا طهر الأمانة، ونبل الصدق فى كل نقوله، غير أنه كان لا يميل إلى نقد ما ينقل إلا حين كان يجد النص معارضا لما يدين به، لهذا نراه ينقل ما يتفق مع الحق، وما لا يتفق فى بعض أحيانه.
ينقل ما يلمع بنور الحقيقة، وينقل ما يمكن فيه خبث الباطل من رأى فطير أو حديث سنده أو هى من بيت العنكبوت، ومعناه كيد دنئ من طاغوت.
عملى فى الكتاب:
طبع هذا الكتاب من أكثر من نصف قرن، وقد بذل المشرف على طبعه كثيرا مما كان يبذل. غير أنه أغفل كثيرا من الأخطاء المطبعية وغيرها، ولم يكتب رقم آية، ولم يخرج حديثا، ولم يضبط كلمة، ولم يعلق بشئ سوى بضع كلمات، فقمت بما يأتى:
أولها: ضبط مئات الأعلام التى وردت فيه، وقد رجعت فى هذا إلى أهم، كتب الأنساب، وإلى اللسان والقاموس كما ضبطت ألوف الكلمات، وقد لقيت فى هذا عنتا كبيرا ومشقة مضنية.
ثانيها: مراجعة نقوله التاريخية واللغوية فى المصادر التى أشار إليها كتاريخ الطبرى ومروج الذهب للمسعودى، وأشرت إلى مكانها من الكتب. أما اللغويات فراجعتها فى اللسان والقاموس ومعجم ابن فارس والاشتقاق لابن دريد ومفردات الراغب والنهاية لابن الأثير وغيرها.
ثالثها: راجعت ما نقله عنه المؤرخون وأصحاب السير للمقارنة بين ما هو فى كتابه، وبين ما نقلوه هم عنه، مثل ابن كثير فى البداية، وابن خلدون
1 / 16
فى تاريخه، والقسطلانى فى المواهب، والحلبى فى سيرته، والحافظ ابن حجر فى الفتح.
رابعها: راجعت وصوّبت الأنساب التى ذكرها فى أهم كتب النسب، وقد أشرت إليها فى تعليقاتى.
خامسها: راجعت الترجمات التى ذكرها للصحابة فى الإصابة لابن حجر وغيرها.
سادسها: أشرت إلى مراجع عشرات الأحاديث التى ذكرها، وإلى ما قيل عنها فى كتب الأحاديث.
سابعها: ترقيم الآيات القرآنية، وإتمام ما ذكره منها مبتورا.
ثامنها: التعليق على بعض ما ذكره من مسائل النحو العويصة، ومراجعة هذه المسائل فى مصادرها الأصلية، والمقارنة بينها وبين ما نقله الإمام ابن القيم فى كتابه «بدائع الفوائد» من هذه المسائل. والرجل- أعنى السهيلى- كان شديد الولع بمسائل النحو.
تاسعها: قمت بالتعليق على ما ذكره، أو رآه فى أمر الدين مما رأيته مجافيا للحق، فكانت هذه التعليقات التى أضرع إلى الله أن تكون حقا وصوابا.
ولقد كان الرجل أشعرى العقيدة- والأشعرية كانت دين الدولة فى أيامه- فأشرت فى تعليقاتى إلى ما يجانب الحق القرآنى مما ذهب إليه، وذكرت ما آمن به سلفنا الصالح، وما قالوه عن صفات الله سبحانه.
عاشرها: راجعت ما ذكره من شواهد شعرية وأمثال وغيرها فى مصادره الأصلية أو فى اللسان، وضبطت كل هذا ضبطا دقيقا.
1 / 17
حادى عشرها: قمت باستعمال علامات الترقيم، وهناك غير ذلك مما قمت به، وأسأل الله أن يكون لوجهه- جل شأنه- وأن يجزينا عنه. كان من الممكن أن يكون الجهد المبذول أقل مما كان، غير أنه كتاب عَنْ رَسُولِ اللهِ- ﷺ عن القرآن الكريم، ونبيه العظيم، وقد توعدنا بالنار نتبوّأ منها مقعدنا إن تعمدنا عليه كذبا.
وأعتقد أن الكتاب- وما ذكرته معه- أصبح شيئا يمكن الاعتداد به فيما يقال ممن خاتم النبيين- ﷺ غير أنى لا أزعم أنى بلغت كل ما كان بجب أن يبلع، وإنما أزعم أننى بذلت كل ما كنت أملك من جهد أسأل الله أن يكون جهدا يكافئ هذه المهمة الجليلة.
وأرجو ممن يعثر على أخطاء أن يذكر أننا بشر، والسهو والنسيان والخطأ من خصائص البشرية، وكما نحب أن يعفو الله عن أخطائنا ويغفرها لنا، فإننا نحب أن يعفو عنا القراء، حين يعثرون على خطأ أحب أن يثقوا فى أنى لم أتعمده.
السيرة:
وقد رأيت- كما رأى الناشر- أن يكون مع الكتاب نفس سيرة ابن هشام التى ألف السّهيلىّ كتابه الروض شرحا لها، ليكون النفع قيما.
والسيرة من عمل ابن إسحاق وروايته عن شيوخه وغيرهم، ولكن ابن هشام عكف على هذه السيرة بالتهذيب حتى، صارت إلى ما هى عليه الآن. وقد لخص عمله فيها بقوله:
«وَأَنَا- إنْ شَاءَ اللهُ- مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ،
1 / 18
وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ- ﵌ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللهِ- ﷺ وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- ﷺ وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ- ﵌ فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شئ، وليس سببا لشئ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ «١» بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرواية له، والعلم به»
ولهذا الجهد الذى بذله ابن هشام اشتهرت السيرة بالانتساب إليه، حتى كاد ينسى صاحبها الأول، وهو: محمد بن إسحاق، والله أسأل أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يعين كل امرئ على القيام بما فرض الله عليه، وأن يجمعنا نحن أبناء هذه الأمة على كلمة سواء، ولها ما كان من مجد وسؤدد، ودولة تجيش
_________
(١) هو زياد بن عبد الله بن الطفيل العامرى أبو محمد البكائى الكوفى، والبكائى نسبة إلى البكاء بن عمرو بن ربيعة بن صعصعة بن معاوية تركه ابن المدينى، وضعفه النسائى وابن سعد، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، ولكنه من أثبت الناس فى سيرة ابن إسحاق، وقال أحمد: ليس به بأس مات سنة ١٨٣ هـ
1 / 19
فيها من «كشغر على حدود الصين إلى جبال البرانس على مشارف فرنسا» تكبيرات النصر، وتسبيحات الشكر، وصلوات الحمد لله رب العالمين «١»
القاهرة- مدينة الزهراء
حلوان
عبد الرحمن الوكيل
الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية
_________
(١) سننشر سيرة ابن هشام فى أعلى الصفحة، وتحتها «الروض الأنف» ثم تعليقاتى
1 / 20
ترجمة ابن إسحاق
محمد ابن إسحاق بن يسار المطّلبى مولى قيس بن مخرمة أبو عبد الله المدنى أحد الأئمة الأعلام، ولا سيما فى المغازى والسير رأى أنس بن مالك. وجدّه يسار كان من سبى عين التمر التى افتتحها المسلمون فى السنة الثانية عشرة من الهجرة.
وقد ولد ابن إسحاق فى المدينة، والراجح أنه ولد سنة خمس وثمانين من الهجرة، وتوفى- كما يقول صفى الدين الخزرجى- سنة إحدى وخمسين ومائة.
وقيل: (١٥٠ أو ١٥٣) وهو الذى ألف السيرة المشهورة النسبة إلى ابن هشام وقد ألفها بأمر أبى جعفر المنصور؛ ليعلمها لابنه المهدى، وفى هذا يقول ابن عدى:
«ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شئ للاشتغال بمغازى رسول الله- ﷺ ومبعثه ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحاق، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجدها تهيئ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ واتهم فى الشئ بعد الشئ كما يخطئ غيره.
ولم يتخلف فى الرواية عنه الثقات والأئمة، أخرج له مسلم فى المبايعات واستشهد به البخارى فى مواضع، وروى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة»، وقد روى هو عن أبيه وعن الزهرى وخلق غيرهم، وممن روى عنه شيخه يحيى الأنصارى، وعبد الله بن عون وشعبة وسفيان الثورى وسفيان بن عيينة.
الرأى فى ابن إسحاق: أثار ابن إسحاق خلافا كبيرا حوله بين رجال
1 / 21
الجرح والتعديل، وقد اختلف فيه هؤلاء بين قادح ومادح، أو بين مجرح ومعدل، فبينا يقول ابن شهاب: «لا يزال بالمدينة علم جم ما كان فيها ابن إسحاق» إذا بغيره يقول: إنه كان يرى التشيع والقدر وكان يلعب بالديوك.
المجرّحون: ممن جرّحه مالك، وقال فيه: «ابن إسحاق كذاب ودجال من الدجاجلة»، وروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: «ابن إسحاق ليس بحجة» وحكم عليه ابن معين فى رواية عنه بأنه سقيم، وليس بحجة، وممن جرحه: هشام بن عروة، ويعقوب بن شيبة، وسليمان التيمى والدارقطنى، وقد اتهم بأنه كان يسمع بعض اليهود والنصارى، ويسميهم أهل العلم الأول وقد اتهم ابن إسحاق بأنه كان يضع فى السيرة شعرا مصنوعا.
المتوسطون فى الرأى فيه: وكما نسب إلى أحمد اتهامه لابن إسحاق فإنه نسب إليه قوله عنه: «حسن الحديث. أو: هو صالح ألحديث، ماله ذنب عندى إلا ما روى فى السيرة من الأخبار المنكرة» وقد نسب إلى محمد بن عبد الله بن نمير قوله عنه: كان ابن إسحاق يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه. وقوله:
«إذا حدث عن المعروفين، فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة»
المعدّلون له: ينسب إلى ابن معين أيضا قوله: «ابن إسحاق ثبت فى الحديث» ونسب إلى ابن عينة قوله: «ما رأيت أحدا يتهم ابن إسحاق» وقال أبو زرعة: «قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه» وقد استشهد به مسلم، وصحح له الترمذى، وروى له أبو داود والنسائى وابن ماجة.
وأرى- قياسا على السيرة- أن أصدق قول قيل فيه هو قول ابن
1 / 22
عبد الله بن نمير؛ فقد روى فى السيرة عن المجهولين مالا يحترمه الصدق، وروى أيضا ما ينفح بطيب الحق، وقد بقى فيها ما لا يصح، رغم قيام ابن هشام بتهذيبها، وهو الذى يقول عن ابن إسحاق فى مقدمة كتابه من أنه سيترك مما ذكر ابن إسحاق «أشعارا ذَكَرَهَا، لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ الله تعالى-، سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرّوَايَةِ لَهُ وَالْعِلْمِ به» .
1 / 23
ترجمة ابن هشام
جاء عنه فى وفيات الأعيان: «قال أبو القاسم السهيلى عنه فى كتاب الروض الأنف شرح سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- ﷺ: إنه مشهور بِحَمْلِ الْعِلْمِ، مُتَقَدّمٌ فِي عِلْمِ النّسَبِ وَالنّحْوِ، وهو من مصر، وأصله من البصرة، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أَنْسَابِ حِمْيَرَ وَمُلُوكِهَا، وَكِتَابٌ فِي شَرْحِ مَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ من الغريب فيما ذكر لى.
وتوفى بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين رحمه الله تعالى» . قلت- أى ابن خلكان- وهذا ابن هشام هو الذى جمع سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- ﷺ من المغازى والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها وشرحها السهيلى المذكور، وهى الموجودة بأيدى الناس المعروفة بسيرة ابن هشام، وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس صاحب تاريخ مصر المقدم ذكره فى تاريخه الذى جعله للغرباء القادمين على مصر: إن عبد الملك المذكور توفى لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثمانى عشرة ومائتين بمصر والله أعلم بالصواب. وقال: إنه ذهلىّ والحميرى «١» قد تقدم الكلام عنه والمعافرىّ هذه النسبة إلى المعافر بن «٢» يعفر قبيل كبير ينسب إليه بشر كثير»
_________
(١) نسبة إلى حمير بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قحطان، وفى حمير بطون وأفخاذ كثيرة (ص ١٢٠ الإنباه لابن عبد البر)
(٢) هو معافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن الهميسع بن عمرو ابن يشجب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ، وفى معافر بطون كثيره (الإنباه لابن عبد البر ص ١١٨)
1 / 24