عندنا عن أئمة الهدى فلا يلتفت حينئذ إلى من منع من الأصوليين ولا إلى إنكار سيبويه أفادتها التبعيض في سبعة عشر موضعا من كتابه وتبعه على ذلك ابن جنيد مع أنها شهادة على النفي ومعارضة بإقرار الأصمعي وأبى على الفارسي وابن كيسان والقتيبي وابن مالك من المتأخرين وأكثر عليها من الآيات الإلهية والشواهد الشعرية كقوله تعالى يشرب بها عباد الله وقول الشاعر شربن بماء البحر ثم ترفعت وقوله شرب النزيف ببرد ماء الحشرج ونقل عن جميع الكوفيين وحمل النفي للتقدم على أنه عن أهل بلد النافي لا غير كما صرح به ابن جنيد ولما ذكره محققو الأصول من أنها إذا دخلت على المتعدى بنفسه أفادت التبعيض وإلا لزم عدم فائدتها وللفرق بين مسحت المنديل ومسحت بالمنديل وهذه الحجة قررها المصنف في كتب الأصول لكن مع ثبوت النص عندنا لا يحتاج إلى ذلك وأما عند غيرنا ممن لم يوجب استيعاب الرأس بالمسح فلما نقلناه عن أهل العربية والأصول ويدل على عدم وجوب الثلاث قول الباقر عليه السلام في حديث الأخوين إذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزاك فالشئ كما يتناول أقل من الثلاث يتناول أيضا ما هو أقل من قدر الإصبع عرضا وهو معنى أقل الاسم كما قلنا إذا تقرر ذلك فإن اقتصر المكلف على الأقل فهو الواجب وإن زاد عليه فلا ريب في استحبابه عينا لكن هل يوصف مع ذلك بالوجوب تخييرا أم لا الذي يظهر من المصنف هنا وصرح به في الأصول عدم الوصف بالوجوب محتجا بأنه يجوز تركه لا إلى بدل ولا شئ من الواجب كذلك فلا شئ من الزائد بواجب وبأن الكلى قد وجد فخرج المكلف به عن العهدة فلم يكن شئ مطلوب منه حتما حتى يوصف بالوجوب وفيه نظر إذ لا مانع من إلحاقه بالواجبات الكلية كإفراد الواجب المخير والاستدلال بجواز تركه إن أراد به مطلق الواجب منعت الصغرى لجواز ترك بعض الواجب المخير مع الاتيان بالفرد الاخر وظاهر إطلاق اسم الواجب على كل واحد منها أو فردا خاصا لم يستلزم المدعى لعدم كلية الكبرى وقد وقع مثل ذلك في التخيير بين القصر والتمام في أماكن التخيير عندنا ومطلقا عند غيرنا فإن الركعتين الأخيرتين من هذا القبيل ولا امتناع في أن يكون الشئ مطلوبا وجوبا على وجهين أحدهما أكمل من الاخر كمثال القصر والتمام ومن هذا الباب تكرار التسبيحات الأربع في الأخيرتين وتكرار التسبيح في الركوع والسجود ونحوها واستقرب شيخنا الشهيد استحباب الزائد عن أقل الواجب محتجا بجواز تركه كما مر قال هذا إذا أوقعه دفعة ولو أوقعه تدريجا فالزائد مستحب قطعا وهذا التفصيل حسن لأنه مع التدريج يتأدى الوجوب بمسح جزء فيحتاج إيجاب الباقي إلى دليل والأصل يقتضى عدم الوجوب بخلاف ما لو مسحه دفعة إذ لم يتحقق فعل الفرد الواجب إلا بالجميع واعلم إن الخلاف المتقدم في تقدير المسح إنما هو في الرأس أما في الرجلين فقال المحقق في المعتبر يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولو بأصبع واحدة وهو إجماع فقهاء أهل البيت عليهم السلام فافهم ذلك فإن الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة مع أنه لم يدع خلاف ذلك ولا يجزى الغسل عنه أي عن المسح لأنهما حقيقتان مختلقان لا يدخل إحديهما تحت الامر بالأخرى ولتحريم الماء الجديد وللخبر وهل اختلاف حقيقتي الغسل والمسح على وجه العموم والخصوص من وجه أم على وجه التباين بحيث لا يجتمعان في مادة يحتمل الأول لان المراد بالغسل إجراء الماء على العضو وبالمسح إمرار اليد عليه مع وجود بلل الوضوء عليها وهو أعم من كونه مع ذلك جاريا على العضو وعدمه وحينئذ فيصدق الغسل بدون المسح في إجراء الماء على العضو من دون إمرار اليد و المسح بدونه مع إمرارها ببلل (غير جار ويجتمعان في إمرارها ببلل صح) يجرى على العضو ويحتمل الثاني لدلالة الآية والاخبار على اختصاص أعضاء الغسل به وأعضاء المسح به والتفضيل قاطع للشركة فلو أمكن اجتماعهما في مادة أمكن غسل الممسوح فيتحقق الاشتراك
Página 34