الذاتي علمه بالقرآن والتوراة والإنجيل ، كما أن علمه بغيرهن من الكائنات (¬1) قديم أيضا لأن العلم صفة ذاتية للقديم الأزلي ، الواجب الوجود - سبحانه وتعالى ، وهذا ما لا يجوز الإختلاف فيه أبدا . وأما نسبه إلى الله تعالى مع كونه متلوا لنا من نطق ألسنتنا بأصوات وألحان ونغمات لأرف وكلمات من ألفاضنا ، فالأصل فيه أن كل قول ينسب إلى من قاله ، لا إلى من قراه ولحن به ، وبيانه لو أن أحدا قال في معلقة امرىء القيس أو قصائد أبو تمام أو البحتري أو غيرهم من كلامه ونسبها لنفسه إ ذ قرأها, أو كما تجد الآثار المرسومة عن أهل العلم فتنسبها لقائلها منهم _ ولو لم تسمه نطقه بها _ ويحتمل في كاتبها أنه لم يلفظ بها أصلا, أو كما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل : أنشدني أبياتك التي قلتها البارحة ولم ينطقك بها لسانك ولا سمعتها أذناك فقال الرجل: ((أنا أشهد أنك رسول الله. وقد قلتها ولم تنطلق بها لساني ولا سمعتها أذناي)) ثم أنشده إياها .
فالقرآن على أي وجه كان قد أنشأه الله تعالى إنشأء تحدى به البلغاء وعجز به المصاقع (¬2) والخطباء , فلا ينسب إلا إليه لعدم جواز ذلك قطعا. وهذا القدر من البيان كاف في هذا الموضوع للإرشاد لمن من الله عليه بهداه , وليس مرادنا في هذا المحل استقصاء الكلام فيها ,مع اعترافي بالعجز عن مصادمة الفرسان في هذا الميدان والله المستعان وعليه التكلان (¬3) . هذا كلامه (¬4) _ رحمه الله تعالى _ بحروفه وكفى به بيانا لمن أ لقى السمع وهو شهيد.
محنة خلق القرآن
Página 58