Rasail
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Géneros
صلى الله عليه وسلم
في الدنيا والآخرة. وقال إسماعيل بن إبراهيم: كنت أنا وإبراهيم بن يزيد جالسين في الجمعة مما يلي أبواب كندة، فخرج المغيرة فخطب، فحمد الله ثم ذكر ما شاء أن يذكر، ثم وقع في علي، فضرب إبراهيم على فخذي وركبتي ثم قال: أقبل علي فحدثني فإنا لسنا في جمعة، ألا تسمع ما يقول هذا؟
وقال ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير لولده: يا بني، لا تذكر عليا إلا بخير؛ فإن بني أمية لعنوه على منابرهم ثمانين سنة فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، إن الدنيا لم تبن شيئا قط إلا رجعت على ما بنت فهدمته، وإن الدين لم يبن شيئا قط وهدمه. وعن أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني قال: كان لبني أمية دعي يقال له خالد بن عبد الله
2
لا يزال يشتم عليا، فلما كان يوم جمعة وهو يخطب الناس قال: والله إن كان رسول الله ليستعمله وإنه ليعلم ما هو ولكنه كان ختنه. وقد نعس سعيد بن المسيب ففتح عينيه ثم قال: ويحكم! ما قال هذا الخبيث؟ رأيت القبر انصدع ورسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: كذبت يا عدو الله. وعن السدي قال: بينما أنا بالمدينة عند أحجار الزيت إذ أقبل راكب على بعير فوقف فسب عليا فحف به الناس ينظرون إليه، فبينا هو كذلك إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فقال: اللهم إن كان سب عبدا لك صالحا فأر المسلمين خزيه. فما لبث أن نفر به بعيره فسقط فاندقت عنقه. وعن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة رحمها الله فقالت لي: أيسب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فيكم وأنتم أحياء؟ قلت: وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسب علي ومن يحبه؟! وعن الزهري قال: قال ابن عباس لمعاوية: ألا تكف عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لأفعل حتى يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير. فلما ولي عمر بن عبد العزيز كف عن شتمه، فقال الناس: ترك السنة! قال: وقد روي عن ابن مسعود - إما موقوفا عليه وإما مرفوعا - كيف أنتم إذا شملتكم فتنة يربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري عليها الناس فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شيء قيل: غيرت السنة؟
قال أبو جعفر: وقد تعلمون أن بعض الملوك ربما أحدثوا قولا أو دينا لهوى فيحملون الناس على ذلك حتى لا يعرفون غيره، كنحو ما أخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب، وتوعد على ذلك بدون ما صنع هو وجبابرة بني أمية وطغاة بني مروان بولد علي عليه السلام وشيعته، وإنما كان سلطانه نحو عشرين سنة، فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها لإمساك الآباء عنها وكف المعلمين عن تعليمها، حتى لو قرأت عليهم قراءة عبد الله وأبي ما عرفوها ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان لإلف العادة وطول الجهالة؛ لأنه إذا استولت على الرعية الغلبة وطالت عليهم أيام التسلط وشاعت فيهم المخافة وشملتهم التقية اتفقوا على التخاذل والتساكت، فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم وتنقص في ضمائرهم وتنقض من مرائرهم حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها. ولقد كان الحجاج ومن ولاه كعبد الملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أمية على إخفاء محاسن علي - عليه السلام - وفضائله وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم أحرص منهم على إسقاط قراءة عبد الله وأبي؛ لأن تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي وولده وإظهار محاسنهم بوارهم وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها، وأبى الله أن يزيد أمره وأمر ولده إلا استنارة وإشراقا، وحبهم إلا شغفا، وشدة ذكرهم إلا انتشارا وكثرة، وحجتهم إلا وضوحا وقوة، وفضلهم إلا ظهورا، وشأنهم إلا علوا، وأقدارهم إلا إعظاما، حتى أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء، وبإماتتهم ذكرهم أحياء، وما أرادوا به وبهم من الشر تحول خيرا، فانتهى إلينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه ما لم يتقدمه السابقون ولا ساواه فيه القاصدون ولا يلحقه الطالبون. ولولا أنها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة، وكالسنن المحفوظة في الكثرة، لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد؛ إذ كان الأمر كما وصفناه.
Página desconocida