ومن طلب الحق منهما ناله وفهمه، وقد قال -تعالى-: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ ١، والأمر بتدبره، والتذكر ليس مخصوصا بالعلماء المجتهدين، بل عام لكل من ناله٢ فهم يدرك به معنى الكلام.
والتقليد المفضي إلى هذا الإعراض عن تدبر الكتاب والسنة فيه شبه بمن قال الله فيهم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ٣. وقوله: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ ٤ وأهل الاجتهاد من العلماء، وإن كانوا معذورين باجتهادهم، إنما هو في معنى أدلة الكتاب والسنة، وينهون عن تقليدهم، فالأئمة ﵏ اجتهدوا ونصحوا؛ قال الإمام الشافعي: إذا جاء الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، فهو مذهبي.
الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
وأما قولكم: الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر فالأصغر: كيسير الربا والحلف بغير الله، وقول الرجل: أنا في حسبك، ولولا الله وأنت، وأن يجاهد ويأمر بالمعروف لطلب رياسة أو مال أو وظيفة، كمن يتعلم العلم لوظيفة المسجد، أو يقرأ القرآن ليسأل الناس به، أو يبيع الختمات، أو يحج ليأخذ المال، أو يتصدق ليكثر ماله، أو نحو ذلك، وهذا إنما يتبين بالتمثيل والحد لا بالعد.
وأما الشرك الأكبر، فهو اتخاذ الأنداد من أرباب القبور والغائبين، ومخاطبتهم بالحوائج، والذبح لهم، والنذر، واعتقاد أنهم ينفعون ويدفعون، وكاتخاذ الأشجار والأحجار والأصنام لجلب الخير ودفع الضر بها، وغير ذلك؛ وهو كثير جدا، وهو أن يرغب إلى شيء أو يدعوه أو يخافه أو يرجوه، أو يعكف عند القبر تعظيما له، ونحو ذلك.
وأمور الشرك، أكبره، وأصغره لا تدرك بالعد، لكن الشرك الأكبر يخرج من الملة ويحبط الأعمال، لأنه أعظم ذنب عصي الله به، وهو أظلم الظلم،
_________
١ سورة ص آية: ٢٩.
٢ حاشا الفهم المخالف لفهم السلف، فإن هذا أصول جهم وشيعته.
٣ سورة التوبة آية: ٣١.
٤ سورة الشورى آية: ٢١.
1 / 35