سيدي العم، دام سالما
1
مسكت القلم فسار على القرطاس وكتب لكم ما يمليه عليه حبكم، وينزله عليه عرفان الجميل لشخصكم المحبوب، وأنتم تعلمون منزلتكم في قلبي، ولا حاجة إلى التحليس أو التدليس؛ فالقلوب على حسها.
بارحتكم صباح الثلاثاء ونار حبكم يزيدنا اضطراما على الفراق، فوصلت بيروت قرب العصر الساعة الرابعة بعد الظهر، ونمت تلك الليلة في المدرسة خارجا عن منام التلاميذ في محل خصوصي للضيوف، وصباح الأربعاء نزلت إلى المدينة أخذت بعض أغراض لازمة لي في المدرسة، ودخلت المدرسة بعد الظهر، وتعينت صفوفي هذا النهار الجمعة. في اللغة العربية حضرة العالم الفاضل الشيخ سعيد الشرتوني في صف الفصاحة، وفي الإفرنسية في الصف الرابع الجزء الأول عند بادري فرنساوي لا يتكلم في اللغة العربية. أما أنا فكان من الواجب أن أكون في الصف الخامس الجزء الثاني؛ لأني كنت في العام الماضي في الصف السادس الجزء الثاني، ويستحيل على كل تلميذ، مهما كان ذكيا وفطنا، أن يعمل هكذا؛ لأنه يوجد فرق عظيم بين تلامذة الصف السادس والصف الرابع. ومن الأمر الطبيعي أن ابن خمس عشرة سنة لا يكون قويا في القوى العقلية والجسدية كابن خمس وعشرين سنة، وبهذه المسألة توفر علي سنة كاملة، لكني وعدت الأب العالم الفاضل مدير الدروس الخوري بطرس مبارك بالاجتهاد الزائد. فصلوا دائما لأجلي لأقوى وأسير على هذه الطريق، وصفوف الإنكليزية لم تترتب بعد، وكذلك التركية والحساب.
نموذج من خط المؤلف سنة 1905.
في الطريق التقيت بأحد أولاد عمنا من عبرين، ولا إخالكم تعرفوه؛ لأنه كان تلميذا في مدرسة عينطورة، والعام الماضي درس بها اللغة الإفرنسية. وهذه السنة يدرس اللغة الإفرنسية في مدرسة مار بطرس النصر في جونيه، واسمه سمعان خشان. وبعدما تحدثنا برهة في جبيل عن أحوالنا التقيت به ثانية في نهر إبراهيم، وطلب إلي إذا كنت أرغب في التدريس، أي التعليم في اللغة العربية والأجرة خمس وعشرون ليرة فرنساوية، ليس في المدرسة التي هو معلم بها هذه السنة، بل في عينطورة. ولعلمي حق علم أن والدي لا يرضى أجبته لا وأنا لم أزل قاصرا عن اللازم في اللغة الإفرنسية. أما إذا صدقت الظنون في السنة القادمة - إن وفق الله - نتعلم بلا دفع راتب، ومتى تقرر الأمر أخبرك عنه لتشاركني في فرحي، لكني أطلب منك ومن حضرة حرمة سيدي العم، بعد طلب رضاها وإهدائها أذكى السلام، أن تصليا لله وتتضرعا له لتوفيقي بهذا الأمر الباذل جهدي لتتميمه؛ لأن به يسقط حمل ثقيل عن منكب أبي في الأتعاب التي يتكبدها، والتي لو عرفت قدرها لوصلت الليل بالنهار، لا أبالي بالأتعاب. أرجوكم الإفادة عن سيدي العم أنطون، وابن عمي مخايل، والتطمين عن حالتهما، عساهما حصلا على الصحة. إن أفكاري من هذا القبيل والأحلام تنذرني بأشياء محزنة جدت في طرفكم ، عساها تكون كاذبة. من جهة خادم الرعية، أخبروني على من تم رأيكم أم هل بقيتم على الحال التي فارقتكم بها؟ لا لزوم أن أقول لك أنك كأب عمومي للعائلة كلها، وبالأخص نحن، ولا لزوم أن أقول لك أن تكون وأبي حالا واحدا؛ فالرابط الأخوي يلزمكما بذلك. والسلام.
ولدك
مارون عبود
عن مدرسة الحكمة في 3 / 10 / 1905
يا ابن عمي
Página desconocida