لم يحدث هذا قط: ولا يمكن الرجل أن يقول: «أومن بإله وأجرؤ عليه» إلا في أثناء هذيان شديد. (33)
أومن، مختارا، بالتواريخ التي يتناحر شهودها.
ليست الصعوبة في معرفتنا فقط؛ هل نصدق شهودا يموتون تأييدا لشهادتهم كما يصنع كثير من المتعصبين، فالصعوبة أيضا في معرفتنا: هل مات هؤلاء الشهود في هذا السبيل بالحقيقة، وهل حفظت شهاداتهم، وهل أقاموا بالبلاد التي روي أنهم ماتوا فيها، ولم لم يقل يوسف، الذي ولد أيام موت يسوع، والعدو لهيرودس، والقليل الارتباط في اليهودية، كلمة عن جميع هذا؟ هذا ما كشف عنه مسيو بسكال مع التوفيق، وهذا ما صنعه كثير من بلغاء الكتاب، بعد ذلك. (34)
وللعلوم طرفان متماسان، فالطرف الأول هو الجهل الطبيعي الخالص الذي يكون عليه جميع الناس حين يولدون، والطرف الثاني هو ما يصل إليه ذوو النفوس العظيمة الذين يجولون في كل ما يمكن أن يعرفه الناس، فيجدون أنهم لا يعرفون شيئا، والذين يلاقون هذا الجهل الذي كانوا قد انطلقوا منه.
إن هذه الفكرة سفسطة صرفة، فالبطل يقوم على كلمة «الجهل»، التي تعد ذات معنيين مختلفين. أجل، إن الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة جاهل، ولكن الرياضي، الذي يجهل مبادئ الطبيعة الخفية، ليس عند نقطة الجهل التي انطلق منها عندما أخذ يتعلم القراءة. أجل، كان مستر نيوتن لا يعرف سبب تحريك الإنسان لذراعه عندما يريد، ولكن هذا لم يمنع من كونه عالما بالنسبة إلى البقية، ويحسب الذي لا يعرف العبرية، والذي يعرف اللاتينية، عالما إذا ما قيس بالذي لا يعرف غير الفرنسية. (35)
ولا تعني قدرة الإنسان على الاستمتاع باللهو كونه سعيدا؛ وذلك لأنه يأتي من الخارج ومن موضع آخر، وهكذا فهو تابع؛ ومن ثم عرضة ليكدر بألف حادث، يجعل الأحزان أمرا لا مفر منه.
إن صاحب اللذة سعيد حاليا، ولا يمكن أن تأتي هذه اللذة من غير الخارج، ولا يمكننا أن نكون ذوي أحاسيس أو أفكار بغير الأشياء الخارجية، كما أننا لا نستطيع أن نغذي جسمنا إلا بإدخال مواد غريبة تتحول إلى مادتنا . (36)
ويتهم أقصى الذكاء بالجنون كما يتهم أقصى العيب، ولا شيء يعد صالحا غير الاعتدال.
ليس أقصى الذكاء؛ بل أقصى الخفة والبعبعة، ما يتهم بالجنون ، فأقصى الذكاء هو أقصى السداد، وأقصى الدقة وأقصى البسطة المناقضة للجنون على خط مستقيم.
ويعد نقص الذكاء الأقصى نقصا في الإدراك؛ أي خلوا من الأفكار، وليس هذا جنونا مطلقا، بل غباوة، والجنون هو اختلال في الأعضاء يري أشياء كثيرة بسرعة، أو يقف الخيال حيال شيء واحد مع كثير من الحصر والصولة؛ ولذا فليس الاعتدال هو ما يستطاب، بل الابتعاد عن العيبين، وهذا ما يسمى «بين بين»، لا «اعتدالا». (37)
Página desconocida