بما حفظ له من أمور أمته، أن اختار لمواريث نبوته ما أصار إلى أمير المؤمنين من تطويقه، ما حمل بحسن نهوض به وشج عليه، ومنافسة فيه أن فعل وفعل.
والحمد لله الذي تمم وعده لرسوله وخليفته في أمة نبيه، مسددا فيما اعتزم عليه، والحمد لله المعز لدينه المتولي نصر أمة نبيه، المتخلي عمن عاداهم وناوأهم حمدا يزيد به من رضي شكره، وحمدا يعلو حمد الحامدين من أوليائه، الذين تكاملت عليهم نعمه فلا توصف، وجلت أياديه فلا تحصى، الذي حملنا ما لا قوة بنا على شكره إلا بعونه، وبالله يستعين أمير المؤمنين على ذلك، وإليه يرغب إنه على كل شيء قدير.
ولعبد الحميد أيضا: أما بعد: فالحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه، وارتضاه دينا لملائكته وأهل طاعته من عباده، وجعله رحمة وكرامة ونجاة وسعادة لمن هدي به من خلقه وأكرمهم وفضلهم، وجعلهم بما أنعم عليهم منه أولياءه المقربين، وحزبه الغالبين وجنده المنصورين، وتوكل لهم بالظهور والفلج، وقضى لهم بالعلو والتمكين، وجعل من خالفه وعزب عنه وابتغى سبيل غيره، أعداءه الأقلين، وأولياء الشيطان الأخسرين، وأهل الضلالة الأسفلين، مع ما عليهم في دنياهم من الذل والصغار، فأعجل لهم فيها من الخذلان والانتقام، إلى ما أعد لهم في آخرتهم من الخزي والهوان المقيم، والعذاب الأليم، إنه عزيز ذو انتقام.
وكتب عبد الحميد إلى أخ له، في مولود ولد له، وهو أول مولود كان:
أما بعد: فإن مما أتعرف من مواهب الله نعمة خصصت بمزيتها، وأصفيت بخصيصتها كانت أسرا لي من هبة الله لي ولدا سميته فلانا، وأملت ببقائه بعدي حياة وذكرى، وحسن خلافة في حرمتي، وإشراكه إياي في دعائه شافعا لي إلى ربه، عند خلواته في صلاته وحجه وكل موطن من مواطن طاعته، فإذا نظرت إلى شخصه تحرك به وجدي وظهر به سروري وتعطفت عليه مني آنسة الولد، وولت عني به وحشة الوحدة، فأنا به جذل في مغيبي ومشهدي، أحاول مس جسده بيدي في الظلم، وتارة أعانقه وأرشفه ليس يعدله عندي عظيمات الفوائد ولا منفسات الرغائب، سرني به واهبه لي على حين حاجتي، فشد به أزري، وحملني من شكره فيه ما قد آدنى بثقل حمل النعم السالفة إلي به، المقرونة سراؤها في العجب بما رأت ما يدركني به من رقة الشفقة عليه مخافة مجاذبة المنايا إياه، ووجلا من عواصف الأيام عليه.
فأسأل الله الذي امتن علينا بحسن صنعه في الأرحام، تأديبه بالزكاء، وحرسه بالعافية أن يرزقنا شكر ما حملناه فيه وفي غيره، وأن يجعل ما يهب لنا من سلامته، والمدة في عمره موصولا بالزيادة، مقرونا بالعافية، محوطا من المكروه؛ فإنه المنان بالمواهب والواهب للمنى لا شريك له، حملني على الكتاب إليك لعلم ما سررت به علمي بحالك فيه، وشركتك إياي في كل نعمة أسداها إلي ولي النعم وأهل الشكر، أولى بالمزيد من الله - جل ذكره - والسلام عليك.
وكتب عبد الحميد عن هشام بن عبد الملك إلى يوسف بن عمر، وهو باليمن في السلامة :
فإن أمير المؤمنين كتب إليك، وهو في نعمة الله عليه وبلائه عنده في ولده، وأهل لحمته والخاص من أموره والعلم، والجنود والقواصي والثغور والدهماء من المسلمين، على ما لم يزل ولي النعم يتولاه من أمير المؤمنين، حافظا له فيه ومكرما له بالحياطة، لما ألهمه الله فيه من أمر رعيته، وعلى أعظم وأحسن وأكمل ما كان يحوطه فيه ويذب له عنه، والله محمود مشكور إليه فيه مرغوب، أحب أمير المؤمنين؛ لعلمه بسرورك به أن يكتب إليك بذلك، لتحمد الله عليه وتشكره به؛ فإن الشكر من الله بأحسن المواضع وأعظم المنازل، فازدد منه تزدد به، وحافظ عليه وتحفظ به وارغب فيه؛ يهد إليك مزيد الخير ونفائس المواهب وبقاء النعم، فاقرأ على من قبلك كتاب أمير المؤمنين إليك ليسر به جندك ورعيتك، ومن حمله الله المنعم بأمير المؤمنين، ليحمدوا ربهم على ما رزق الله عباده من سلامة أمير المؤمنين في بدنه، ورأفته بهم واعتنائه بأمورهم؛ فإن زيادة الله تعلو شكر الشاكرين، والسلام.
ولعبد الحميد إلى مروان في حاجة:
إن الله بنعمته علي لما رزقني المنزلة من أمير المؤمنين جعل معها شكرها مقرونا بها، فهي تتنمى بالزيادة، والشكر مصاحب لها، فليست تدخلني وحشة من أبناء حاجتي، وأنا أعلم أنه لو وصل إلى أمير المؤمنين علم حالي أغناني عن استزادته، ولكني تكنفتني مؤن استنفضت ما في يدي، وكنت للخلف من الله منتظرا؛ فإني إنما أتقلب في نعمه، وأتمرغ في فوائده وأعتصم بسالف معروفه كان عندي.
Página desconocida